الأحد، 1 فبراير 2015

بين الوزير والطفل البدون .. كرامة ومسافات

البداية:
"وفي كرامة الذات تختلف موازين البشر"

متن:
السابعة صباحًا من شهر يوليو الحار .. يبدأ يومي بالخمول أحيانًا والتذمر غالبًا من وجبة الإفطار التي لا أحبها ولكنها مبرر لتفريغ شحنة المزاج المغلق والذي بعد جرعات إضافية من الكافيين أستوعب الزمن والعمل فينضبط إيقاع تنفسي للحياة وأعود أفضل 
في طريقي لمؤتمر طُلب مني إلقاء كلمة الافتتاح وكعادتي مع احترام الوقت أحضر باكرًا قبل الموعد بساعات .. جلست مع الشخصيات المسئولة عن الفعالية وكل منهم بمنصب مهم وينتمون لعوائل معروفة بالثراء .. أحاديثهم كانت عن مزارع سويسرا وعقارات أمريكا وعطورات باريس وأشياء أخرى لا أفهمها لكنها لاتعنيني .. طريقة كلامهم ورتم إيقاعها البطيء فيها فوقية وأعذرهم عليها فهم وُلدوا وفي أفواههم ملعقة من ذهب ولكن مالم أستطع تجاوزه هو تعاملهم مع موظفي المؤتمر بكبرياء وسمو لا أحبه فاتضح لي أن مستوى تفكيرنا وثقافتنا ومواضيعنا مختلفة وليس هذا بنقيصة لي ولافضيلة لهم فأمثالي من ذوي الدخل المحدود أكبر همه إصلاح "مكيف" الفورد الفاخر الذي أملكه وآخر همي معرفة أسعار البورصة التي أعتبرها "طلاسم" .. عمومًا كل هذا لايهم
استأذنتهم للتحضير لكلمة الافتتاح والتدرب عليها فالوقت قد اقترب.

-ومع أول بشت ينكشف المستور:
شخصية مهمة تدخل قاعة المؤتمر وهو أحد أبناء الأسرة الحاكمة سلمت عليه وعرفته بنفسي ومضيت لأرى حجم التملق من أولئك الذين جالستهم قبل قليل .. فجأة أصبحوا ودودين فهذا يُخبره نكتة وهذا يجلب له قهوته رغم وجود "سيرفس" وذاك يُشيد بجهوده ويُبلغه ثناء الناس عليه ووسط مشهد بانورامي يحدث أمامي ثارت علامات التعجب !!
فرغم ثرائهم ومناصبهم لكن لم أفهم لماذا هذا التنازل الكبير عن أنفة الذات والكبرياء المحمود في عزّة النفس؟
ابن الأسرة الحاكمة لديه من الذكاء مايكفي ليُدرك هذا التملق من حوله وفك شيفرة التعامل الطبيعي والوصولي لكن ليس بيده شيء فهذا أمر اعتاده واكتفى بالصمت !!
حينها تساءلت:
مالذي يُجبر أشخاص بمكانتهم أن يفعلوا ذلك؟
ومالذي هم بحاجته رغم ثرائهم ومناصبهم؟
وأين العظماء الذين شاهدتهم قبل قليل بطريقة كلامهم وجلستهم ونظراتهم ؟؟
هل هو جشع النفس لطلب المزيد .. أم أن الكرامة كما قالوا شيبانا: "تحضر وتغيب"؟

لست بصدد تفخيم الذات لكني رغم تواضع حياتي وبساطة ما أملك كابرت على نفسي أن أُطيل معه الحديث والنقاش حتى لايراني كما يراهم وأعذره ولا ألومه .. فالإحترام مكفول لإبن الأسرة ومنصبه، هو لم يُخطئ لكن الأشخاص من حوله اعتبروها فرصة يجب استثمارها بالتقرب إليه واقتناص رضاه ومحبته .. لكن أيضًا ليس بهذا الشكل؟
حان الموعد .. افتتحنا المؤتمر .. القيت كلمتي .. ومضيت .. وانتهى كل شيء .. خرجوا يُسايرون خطواته وخرجت بحيرة تساؤلاتي .. ولاعجب !!

-شهر تموز لن ينقضي دون درس وعِبَر:
أيام مرّت على هذا المؤتمر ، عائد للمنزل من مشاويري الروتينية لأقف عند إشارة المرور التي أصبح احترامها محبب بوجود برامج التواصل وقتل دقائق انتظارها بالتغريد بتويتر أو تصفح الأنستقرام 
تحت أشعة الصيف الحارقة يقف ذاك الصغير حاملًا علب المناديل .. يتجول بين السيارات سائلًا عونهم راغبًا منهم شراء مافي يده .. عمره بين التاسعة ولايتجاوز الحادية عشرة .. وجهه شاحب وجسده نحيل جدًا .. انتهز الوقوف أمام إشارة المرور ليبيع بضاعته علّ بثمنها يُسكت جوعه .. ناديته .. أعطيته المقسوم وماهو بشيء يذكر لكنه ماكان موجود .. حاولت أن أعطيه دون أخذ بضاعته شفقةً على طفولته التي ضاعت بين الطرقات لكنه رفض أخذها قبل أن أستلم علب المناديل رغم حاجته للمال .. أصريت عليه فرفض وعندما وضعت المبلغ في يده باغتني ليقذف المناديل عنوة بالسيارة .. الإشارة خضراء والسيارات خلفي لاتقوى الانتظار وتجاوزني الزمن فمضيت لمنزلي ومضى لمستقبله المجهول وأحلامه المؤجلة

سبحان الله .. طفل محتاج من فئة "البدون" لامال له ولا سند .. رغم حاجته إلا أنه رفض شفقة المحسنين فانتصر لكرامته ورفض أخذ الثمن بلامقابل .. لم يخبرني نكتة ولم يصفق لإنسانيتي البائسة التي كثيرًا ما أتناساها حتى يصفعني الواقع فأعود لحجمي الطبيعي .. شتّان بينه وبين ذوي المناصب والساعات الباهضة والسيارات الفاخرة الذين سقطت كرامتهم وعزة أنفسهم تحت بشت "طويل العمر" وليتهم يتعلمون منه معنى الشموخ والسمو بالذات كما تعلمت منه أن حياتي التي أحيانًا أخجل من تواضع مافيها هي جنة لآخرين يتمنونها .. ولكن أكثر الناس "لايفقهون

فاصلة،
عظيم جدًا أن تعتز بنفسك دون تفخيم 
تعيش وسطًا بين التواضع والسمو
فكثرة التواضع تجلب الذل .. والمبالغة بحب الذات مُنفرة
شهر تموز علمني أن الكرامة:
ميزانك عند البشر متى تنازلت عنها فقدت احترامهم .. فشكرًا لصديقي .. صاحب الجسد النحيل .. ما أعظمك 

إضاءة:
ستكون رائعًا ومبهرًا إذا أحببت حياتك كما هي

آخر السطر:
ومن الكرامة يافهيد انك تحشم الناس .. وبحشمونك

دويع العجمي
@dhalajmy

هناك 3 تعليقات:

  1. جميل هو حرفك يآيها الفارس الشجاع ..
    فأنت روضت الحروف لتنصاع ..
    وتراسمت عبارات من الشهد صافية ..
    تقبل ودي واحترامي ..

    ردحذف
  2. رائع رائع مهما كتبت وكيفما كتبت فهنالك قلة يبدعون وانت منهم
    بارك الله فيك وسدد خطاااك .

    ردحذف