الثلاثاء، 31 مارس 2015

فصول ومواسم : خريف


البداية:
"التمسك بمن ينشغل عنك يؤخر رحيله ولايمنعه"

متن:
ماكانت تعلم خفايا الغد وملامحه، كانت تكتفي بتعليق أمنياتها على مرآتها، تُضيء مخيلتها قناديل المساء وتحلم بحياتها الجديدة فكان الواقع مختلف .. لكنها تقبلته.

تعود من عملها مرهقة لتُسرع بتحضير غدائه الذي يحب، تفرش السفرة وتُجهّز الصحون وتترقب، تطول ساعات الانتظار فيبرد ماطهته كما بردت مشاعرها وتبدأ بترتيب كلمات التوبيخ والتأنيب علّها تُحيي مشاعر الغائب الذي لايهتم

بخطى متثاقلة وعذر بارد؛ يعود بعد أن تناول الغداء مع أصحابه وطالت بهم أحاديث اللهو لأطراف المساء .. استفسرت عن السبب الذي لايجعله يخبرها حتى لايضيع يومها بين ترقبٍ وانتظار فتأتي الإجابة بتلويحه بيده وعبوس ملامحه المتعبة .. تصرخ في وجهه فيغلق باب الغرفة ورائه، يخلد للنوم وهي تُحدّق بالسقف وينتهي اليوم.

يبدأ الصباح بصمت، تلبي واجب وظيفتها كزوجة بتجهيز ملابسه وعطره .. يشكرها على عجل ويمضي كل منهم لعالمه الخاص الذي لايتشارك فيه مع الآخر. 

ويبقى السؤال:
لماذا أصبح هذا السيناريو يتكرر بالعلاقات الزوجية؟

الحياة الزوجية ليست وظيفة بل هي مشاركة بالعاطفة والتفكير ولاتقوم على التهميش بل أساسها تبادل الإهتمامات واحتواء الآخر .. ألم يقل سبحانه:
"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها"

فكيف تمضي الحياة بتلك الرتابة المملة، كل شخص منفصل عن الآخر عاطفيًا وفكريًا والأغرب هو استمرار العلاقة فقط من أجل المظهر الإجتماعي دون مضمون !

هي تخشى الطلاق لأنها تعلم أن هذا المجتمع المريض سيمزق عفّتها وجمالها وسيطمس أنوثتها ويحملها مالا طاقة لها به

وهو يعلم أن زواج آخر يعني مصاريف إضافية ومهر جديد وتجربة مجهولة قد لاتختلف عن الأولى فيستمر بلامبالاته وبذخ مشاعره على البديل الآخر فيفرغ به عاطفته ولذته الحيوانية متجاهلًا تلك التي قتلتها دقائق الانتظار في غيابه .. ولايهتم

تسير حياتهم بخريف العمر .. لاصيف موادع ولا شتاء مقبل والليل طويل .. وتستمر الحياة على هذا الملل.

لو كان كلًا منهم يعلم أن قفصهم الذهبي سينقلب سجنًا لما أقدم على هذه التجربة
والنظرة الشرعية قبل الزواج آن آوانها وعلينا تجاوز غباء عاداتنا وتقاليدنا بالخجل منها فلم يُشرّعها النبي ﷺ إلا لخيرٍ لانعلمه ولكننا نلمسه .. فالبيوت أصبحت كئيبة وأسدلت العتمة ستائرها على نوافذهم فماعادوا يُبصرون الأمل.

برواز وصورة وألوان:
البرواز الأنيق الذي يُغلّف لوحة باهتة يفقد قيمته والألوان القديمة لاتعكس جمال الحياة .. في مكتب المحاماة أكثر المشاكل التي تصلني مثيلات تلك الحالة، والحلول معدومة ولابدائل.

لكن صدقًا.. لا أعرف سببًا يجعل من يعاني التهميش يستمر بذلك.
وضع النهاية بعد محاولات إنعاش مشاعر الميت أفضل .. رغم ويلات القرار وجحيمه لكنه أرحم من العيش بنصف جسد مع شخص لايرى ولايسمع.
ولابأس .. فالحياة لاتقف على أحد ومامن راحلٍ يمضي إلا وذاك قادمٌ يملأ فراغه وهذه سنة الحياة.

قاموس ومشاعر:
كل أرق:
خلفه حنين أو شوق دفين .. أو ربما انتظار غائب وأنت تعلم أنه لن يعود.

وكل انتظار:
يبدأ بترقّب .. لينتهي بـ فرح غامر .. أو حزن غائر.

إضاءة:
"لاتسأل الغائب عن السبب فلا مبررات للغياب"

آخر السطر:
قبل لاتطلبها مثل اليسا يافهيد .. شيل كرشك وصير توم كروز.

دويع العجمي
@dhalajmy

السبت، 14 مارس 2015

إعترافات مغترب



البداية:
"وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"

متن:
الثامنة صباحًا بتوقيت كاليفورنيا .. ولايتي التي قصدتها للدراسة .. هي المرة الأولى التي أتحدث بها الإنجليزية بغرض ممارسة حياتي اليومية .. ليست مشاركة بحصة دراسية ولا اختيار صنف الطعام من "منيو" المطعم.
كنت أعتقد أن تفوقي الدراسي ومستوى اللغة سيجعلني انسجم بسرعة مع هذا الشعب المختلف عنا بكل شيء .. فاكتشفت أن كل ماتعلمته منذ مقاعد الإبتدائية حتى آخر صفوف الثانوية مجرد تلقين مُخجل .. ولاندري هل العيب فينا أم بمناهجنا المليئة بالحشو العقيم !

كيف كانت البداية؟
بمجرد التخاطب معهم يعرفون أنك لست منهم .. الأمر لايعتمد على الشكل فالأعراق هنا متداخلة لكن من اللفظ وعيوب النطق يستطيعون تمييزك .. رغم ذلك لايضحكون ولايسخرون بل يساعدونك ويسهلون عليك التحدث معهم ويحترمون مجهودك بتعلم لغتهم.

في أيامي الأولى بالجامعة زاملت طلبة "أمريكان" .. تحدثنا وتناقشنا وحاولت قدر الإمكان الإنسجام معهم رغم مواضيعهم الغريبة واهتماماتهم المختلفة وهواياتهم المجنونة ولايوجد أي إلتقاء فكري مشترك بيني وبينهم لكن لابأس فعلينا تقبلهم كما هم بتفاصيلهم المثيرة وطبيعتهم البسيطة غير المتكلفة ومحاولة التكامل معهم وليس التصادم فلكل منا ثقافته واهتماماته. 

بالبداية كنت أخجل من مستوى التواصل اللغوي معهم لكني آمنت أنه لايُخلق أحدٌ منّا وهو عالمٌ بكل شيء وعلينا اليقين أن اعترافنا بضعف مانملك من مستوى هو أولى خطوات التعلم والنجاح وهذا مافعلته فتمردت على خجلي وهدوئي وأخبرتهم أني أحتاج دعمهم لتقوية لغتي فرحبوا بذلك وها أنا أمضي قدمًا لتحقيق هدفي المشود ونسأل الله التوفيق.

إعترافات مغترب:
أعترف أني أشتاق لأصدقائي وأهلي رغم مرور شهر واحد فقط على الغربة لكن للحنين شموعه التي توقد كل مساء فترى مع ضوئها الخافت وجوههم .. وتسمع ضحكاتهم وهمس كلماتهم يقولونها لك "وحشتنا"

أعترف أني عزمت على تغيير أشياء كثير في حياتي أولها قتل الطمع وترويض الجشع بالقناعة .. فكُلٌ لديه مايُطمع به لكن أكثر الناس لايعلمون

أعترف أني شخص عاطفي يحتاج وقت طويل لنسيان "الراحلون" و "الغائبون" رغم احترامي لقرارهم لكن يبقى الحنين لأيامهم .. لابأس هذا شيء قررت تغييره والغربة ستساعدني بلاشك

أعترف أن ذاك الشاب غير المنظم يحتاج ثورة هادئة لترتيب سُلّم أولوياته وعدم السير بعشوائية فمعظم الأهداف التي أرسمها لا أبلغها ولازلت عاجز عن معرفة السبب !!

أعترف أن منظر والدتي عند باب الوداع تكفكف دموعها عند الرحيل جعلني أندم على قرار السفر والدراسة ولكن ..... لايوجد لدي ما أكتبه سوى ربي اغفر لي سوء عملتي.

ورغم السطور الموجعة .. يبقى مرور الأيام دون صوت المآذن وخشوع المساجد مايزيد النفس جزعًا ووحشة .. فاللهم لك الحمد على نعمة الإسلام.

إضاءة:
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

آخر السطر:
وكلٍ على همه سرى يافهيد

دويع العجمي
@dhalajmy