الأربعاء، 27 يونيو 2018

هذه الجزائر التي عرفت

هذه الجزائر التي عرفت

البداية
تُعرف البلاد بأهلها
كريمةٌ إن كانوا كرامُ

متن
من بيتي الصغير المتواضع
في ضاحية نائية بهذه البلاد البعيدة.

التوقيت هو شهر رمضان
الذي يمر هنا بلاطعمٍ ولا نكهة
لاانتظار لمدفع الإفطار
ولا عبارات التهاني 
لاشيء مبهج سوى تكرارٌ ممل لباقي فصول السنة.
هذه البلاد لها إيقاعٌ سريع لايرحم بطء خطواتنا.

في اللحظة التي تزاحم بها أسرتك على مائدة الإفطار
وتتسابق الأيادي خطفًا لأصناف الطعام التي تحب
وتصبح من الكل الأشياء اللذيذة ذا مقربة

أنا هنا لعامي الثامن وحيدًا بالغربة
أعود قبل أن تتثاءب الشمس بدقائق
لاوقت حتى لاسترجاع الذكريات القديمة
اعتدت الوحدة
لم تعد تشكل لي موضع ألم
فأولئك المستسلمون لأقدارهم ينضجون باكرًا ويفهمون الدرس

لكن ماكان بغير الحسبان
وخارج التصور وجدول التفكير

هو أن أعود لمنزلي وأجد عند الباب
ماكان لي حلمًا
مائدة من كل ما لذّ وطاب
مغلفة بشكلٍ مرتب
ليس شكوى من الجوع 
فأمثالي قليل الطعام يكفيهم
حجمي الصغير وقياساتي الثابتة دليل ذلك

لكن شعور أن هناك من يذكرك وأنت صائم يجبر كسر وحدتك.

أما هذه الأصناف من الطعام تبدو مألوفة
ذات وجهٍ عربي
لكن ممن؟
ومن أين جاءت؟

تكرر الفعل للأيام الثلاثة الأولى
وفي الرابعة عرفت

كنت في إجازة نهاية الأسبوع
فإذا به يحملها
صبي بالعاشرة
فتحت الباب قبل أن يطرقه
سألته من أنت

هو عُمر
ابن الأسرة الجزائرية التي تسكن بذات الحي
أبلغني سلام والدته ووالده
واعتذر على التقصير

مضى شهر رمضان
وإفطاري يوميًا يصل بالوقت المحدد
دون سابق معرفة ولا مقابل أو مصلحة 

وحينما بادرتهم بالسلام والزيارة
كانوا يبذلون مجهودًا بالتحدث باللغة العربية البيضاء لأفهمها
أسرة جزائرية بسيطة ومحبة للحياة
مهاجرة منذ زمن
الأب مُعلم والأم ربة منزل
ولديهم ثلاثة أطفال
عمر ومحمد وليلى

شعرت بسرعة الانتماء لهم وكأني منهم،
لطافتهم
طيبتهم
أصالتهم
مخلوقاتٍ من الجنة
هدية من السماء تجعلك تتنفس الحياة بنحوٍ أجمل،

قلوبٌ بيضاء نقية تعكس وجه بلادهم التي في كل مرة يحدثوني عنها
أجبرتهم الظروف وضيق الحال على الهجرة ورغم ذلك لاتجد أكرم منهم
بالزاد والمشاعر والحب

لم أعرف الجزائر من قبل كما عرفتها اليوم
من خلال أسرتي الجديدة

أفهم أن يعرفك الشخص ثم يشكل حولك انطباعه وعلى أساسه يبني التصرفات
لكن وأن يبادر بالمعروف والخير دون حتى أن يعرف اسمك فهذا موضع السؤال

أخبرني أنهم في الجزائر
يحافظون على حق الجار 
وفي رمضان تلك عاداتٌ لاتنقطع 
حيث يضيف كل منهم الآخر بما تيسر على مائدته

مررنا بالتاريخ وأشهر المتغيرات التي طرأت على بلد المليون شهيد وتجاوزت نقاشاتنا عقارب الساعة التي لم نهتم لأمرها

أحببت ثقافتهم
كرمهم
سخاء عاطفتهم
ونُبل مشاعرهم

شعورٌ بالسعادة أن تجد من يشعر بك
وهذا سقف المستحيل الذي لمسته ذات مساء

لفتني اعتزازهم بلغتهم وعاداتهم التي لم تطمسها الغربة وتدفنها

الأب يحرص على تعليم أولاده اللغة العربية
ويقول
بمجرد عودتهم لحدود هذا المنزل فالكل يتحدث باللغة العربية
وعلى جدار غرفة المعيشة وُضع العلم الجزائري فخرًا واعتزاز
حتى لاينسوا أصلهم ووطنهم وأهلهم

وحينما عرفوا أن شابًا من بلاد الخليج يسكن هنا
ينتهي عمله عند الغروب
بادروا بأصلهم الطيب
وعاملوني كأني ابنهم.

على صعيدٍ منفصل
وفي ثقافتنا العربية
وإعلامنا التافه والسطحي غالبًا
احترفنا ثقافة الكراهية
نرمي بعضنا بألفاظ التحقير
الشتائم
الهمز واللمز
لم نعتد على ثقافة الحب
لم نجرب اختصار المسافات
وردم الفجوة
ونحترم بعضنا البعض

نحن اليوم أحوج مانكون لبعضنا
فهذا الوطن العربي لايكف من الصراخ.
فتك به الألم من كل موضعٍ وجنب
والشعوب العربية بحاجة التآلف
التقارب
التعايش
واحترام الآخر

مضى وقت طويل قتلتني الغربة مراتٍ ومرات
هزمت كل طموحاتي
لعنت الوحدة في حين
وأحبتتها في أحيان أخرى
لكنها المرة الأولى التي أشعر بطعم السعادة
أن أحدًا يذكرك ويشعر بك وهذا من عظيم النعم.

إلى وطني الجديد الجزائر
لكم محبة من قلبٍ نقي
على أمل زيارة لهذا البلد الجميل قريبًا

إضاءة:
وعلى النوايا الطيبة يُفطر المرء ويُرزق

آخر السطر:
ومن مد لك شبر الطيب يافهيد مد له أضعافها

دويع العجمي
@dhalajmy