الأحد، 29 نوفمبر 2015

غربة من نوع آخر


البداية
"وفي السفر أعظم الدروس وأقساها"

متن:
هذه السنة السادسة التي تسرقها الغربة من عمري .. 
عشتها بحلوها ومرّها
وبين العطاء والحرمان دارت دوائرها فأخذت منها الدروس وحرمتني أجمل اللحظات ولا أعلم كم تبقى لنا من العمر لنحياه مع أحبابنا ونسعد بقربهم ..

عندما يقتلني الحنين ألف مرة
عندما أشتاق لأهلي وأصدقائي 
جلساتهم .. ضحكاتهم .. 
وتسجيل ذكريات نبعثرها هنا وهناك 
لنعود إليها بعد حين وتتعالى ضحكاتنا..
خسارة ..
 أجمل سنوات عمري ضاعت هنا ..
 ولاحزن على ذلك ولا لوم.

فأنا ممن يحمل للغربة عظيم الإمتنان .. 
فهي من علمتني كيف أتألم بصمت
وأبكي بصمت
وأعبر عن مشاعري بصمت
وحين يصبح الصمت أبلغ من الصوت تكون قد فقدت الكثير من ذاتك ..
لأن لاجدوى من الشكوى ..
فالمختلفون عنك لغةً وعقيدة مهما كان قربهم ..
 لن يفهمونك.

وعلمتني الغربة تجاوز أشياء كثيرة كانت تثير حماسي، باتت سطحية وليست ذات قيمة
 أولها سرعة الجدال .. وآخرها عدم الحديث بغير المفيد
فماعاد في النفس رغبة بالمزيد 

وعلمتني الغربة كيف أُسعد نفسي
لأن لا أحد مسئولًا عن سعادتي سواي .. بت استشعر مواطن الفرح
أسعى إليها وأحياها .. علّها تُنسيني مرارة الوحدة وقسوتها

وفي الغربة أشياء أفتقدها .. عوضتها بأشياء أخرى مختلفة .. وبين الشيء والشيء تجربة وعبرة وموعظة لذلك الغربة تُعلمك أقسى الدروس.

لكن هناك غربة من نوع آخر..  أكثر قسوة

عندما يصبح المرء غريبًا عن ذاته
يبذل مجهود إضافي ليبدو أغنى 
يتجاوز واقعه البسيط
معتقدًا أنه بذلك يكسب إعجاب الآخرين  .. 
وربما ينجح .. 
لكن لاتسل عن أسباب الأرق وكثرة الهموم
فمن لاحق السراب كلّ وتعب.

وعندما يتضخم المرء بالفراغ
يضع نفسه بمكانة أكبر من حجمه .. 
يستصغر الجميع ويتوهم أنه يشغل تفكيرهم واهتمامهم
يقلل من شأن كل ناجح فكبريائه لايرضى ولايُقر..
حديثه يبدأ وينتهي حول ذاته المتضخمة .. 
وبعد حين سيكتشف لماذا ملّه الناس وكرهوه ..
فأعظم أبواب القلوب الانصات للآخرين وإشعارهم بأهميتهم ..
فزمن الأساطير العظيمة ولّى وانتهى.

وعندما يهيم المرء ولايعرف ماذا يريد
يتحدث بلاتوقف .. يُنظّر بكل شيء ويحلل
ناسيًا أن من علامات الحُمق الخوض بكل أمر
ويختزل الثقافة بسطحية اطلاعه .. وهو الذي لم يتصفح كتابًا ولم يقرأ
لكنه مرض الجهل الذي طغى على صاحبه فعاش جاهلًا إلى حين
غدًا تصفعه الخيبة فيعلم أي وقتٍ أضاعه بغير المفيد فأمثاله كثيرو الضجيج بالغالب لايتقدمون.

وتبقى أقسى غربة
أن تعيش محرومًا من نعمة الصديق..
عندما تقف على كل زلّة وهفوة ..
تُكثر من العتب وتزيد التوبيخ ..
ومن كان كذلك .. هجره الصديق وتركه الحبيب وعاش صوتًا لايرد عليه الصدى 
نحن نتغافل ونتجاهل ليس غباءً ..
لكننا بشر نُصيب ونُخطيء ..
ومن أراد صديقًا بلا أخطاء .. ليعانق الوحدة فهي أقرب الخلّان.

فاصلة،
تغيرت الغربة .. أخذت شكلاً جديدًا زادها جمالًا
مع التقدم بثورة الاتصالات .. بتنا نتشارك اللحظات خلال ثوانٍ
ومع ذلك .. يبقى لها وجهها القبيح .. والذي لن تُجملّه كل الألوان .. فجمال الوطن ليس له بديل.

إضاءة:
وتبقى غربة الذات أقسى أنواع الاغتراب

آخر السطر:
ومهوب على كل زلة يافهيد سحبت على الناس .. تراهم عايشين فيك وبليّاك

دويع العجمي
@dhalajmy




الأحد، 22 نوفمبر 2015

النهايات التي لا أُحب


النهايات التي لا أُحب

البداية:
"ويكتب الله من بعض النهايات .. بدايات أجمل"

متن:
تختلف أشكالها ومشاعرنا تجاهها والنتيجة واحدة
كل نهاية للأشياء التي نقوم بها ترتبط بشعور بالحزن وهذا إنصاف للحياة
لأننا يجب أن نحياها بكل الفصول،

ومع ذلك .. فتلك النهايات لا أُريدها،
لا أُحبها 
ولا أتمنى حدوثها لكنها تقع
ومع الوقت عرفت أن قيمة النهايات هو في ما يليها
فوفرت جهودي في إنعاش الأشياء التي تحتضر .. فتعجيل موتها أفضل إن كان كُتب عليها ذلك. 


تلك النهايات التي لاتُحب:
ستجعلك تُعيد النظر بتفاصيل كثيرة تغفلها
عندما تعطي كثيرًا وتصاب بالخذلان
وعندما تمنح الثقة لمن لايستحقها
وعندما تكون ضحية طيبتك وبساطتك .. 
تُقْبِل على من حولك بكل مافيك 
ولايبقَ منك شيئًا لنفسك
تتحدث بعفوية متناسيًا أن للآخرين سوء ظنونهم
تتعامل بمحبة متجاهلًا استغلالية البعض وجحودهم
ومع أول اختبار
يسقط الكثير ولايبقَ إلّا أنت .. والنادرون الذين يستحقون لقب الصديق .. وغالبًا هم أشبه بأولئك الذين نراهم بصفحات القصص والحكايا.

وتلك النهايات التي لاتُحب:
تُعجّل بموت علاقات تحتضر
تُكابر من أجل الإعتراف بنهايتها 
وعندما تفعل .. تسعى دائمًا للتبرير 
يُحزنك ذلك .. 
لكنك لاتعلم أنها بدايات لأشياء جميلة ستحدث 
ليس قراءة بعلم الغيب ولا تحليل لعلوم الأبراج،
هي سنة الحياة وقانونها
فكل راحل ينتهي بقرار أو انشغال أو قدر
يعوضه قادم يشغل مكانه
الوقت والزمن كفيل بصنع ذلك.. 
هذا ماعليك أن تُؤمن به.

وتلك النهايات التي لاتُحب:
هي نقطة آخر السطر في ذيل الصفحة
تجربة خضتها وعشت تفاصيلها .. 
اجتهدت بها لكن هذا يحدث:
تبذل كل شيء .. تُعطي كل شيء .. تفعل كل شيء
وتفشل..
بالدراسة والتخصص والعلاقات والعمل وأيًا كان حقل تجربتك
لاتبكِ على تواضع حصادك
فالحقول التي لاتحتضن بذرك .. غيّرها
ليس بالضرورة أن يكون الخلل فيك
ولا الخطأ منهم
لكن بعض الأشياء لاتقبل التفاعل لعدم انسجام تركيبتها 
ولاتعيد قراءة تجربتك والتنظير بها وجلد ذاتك
فصفحتك امتلأت .. اقلبها وابدأ من جديد .. هذا أفضل

فاصلة،
ليس دائمًا النهايات محزنة
فاليرقة باهتة اللون نهايتها فراشة يانعة
والغيوم الملبدة بالسواد نهايتها أمطار وعافية
وحتى أنت .. نهاية الأشياء المبعثرة في حياتك هي بداية أشياء أخرى أجمل .. وهذا كل شيء.

إضاءة:
وعند بعض النهايات .. ستُدرك أنهم أجمل من بعيد

آخر السطر:
وبعضهم يافهيد من غثاه ودك انه انتهى من زمان

دويع العجمي
@dhalajmy

السبت، 7 نوفمبر 2015

سذاجة جديدة أضيفها لحياتي



:البداية
"ولك من بعض الصدف صفعة تُعيد ترتيب أولوياتك"

متن:
المكان: مطار تورينتو بكندا 
الرحلة: عائد لأمريكا بعد دعوة لملتقى طلبة مونتريال
الوضع: تأخير لمدة عشر ساعات على الإقلاع لسبب فني .. رغم أني أتيت قبل موعدي بساعتين وهذا نصف يوم سأقضيه بالمطار ..

لابأس .. سأنسى الفراغ مع أول رشفة من قهوتي 
التي أحب وأسافر بين القراءة والكتابة وتصفّح تلك الوجوه المارّة بين مغادرٍ وقادم ومشاركتهم مشاعر اللقاء والوداع وبقية تفاصيل الرحيل .. واتأمل المشهد بصمت.

على مقربة مني مكتب "الهجرة" للمهاجرين غير الشرعيين
رأيت تلك العجوز بملابسها البالية 
تحمل أشياء ملفوفة بقطعة قماش كحال الفقراء بالأفلام الوثائقية والذين لم أكن أصدق أن لهم وجود

يسألونها كيف تأتين بدون تأشيرة ؟
فتبكي وترد دموعها بدل الإنجليزية التي لاتُجيدها
 لكن ماعرفته أنها من تنزانيا وهربت من الإبادة الجماعية،
كان واضحًا عليها الخوف والتعب وكأن تجاعيد السنين التي ارتسمت على ملامحها كانت بحاجة لمزيد من البؤس 

ولأن بلاد الغرب ملاذ البائسين..  هدؤوها .. 
مسحوا دموعها 
وأعطوها طعامًا يوقف رعشتها 
وفي غمرة حنونة حاولوا إضحاكها فابتسمت والدموع لاتزال على وجنتيها
هذه الدموع لاتجف .. لا الوقت ولا الزمن سيمحي أنينها بمحاجرها 

من الواضح أنها عاشت الجوع والفقر والعذاب وهربت تاركة أيامها وأهلها وبقايا ذكرياتها.

انتهى المشهد هنا .. وبدأ مشهد آخر
لا أعلم لماذا تخيلت شكل الإبادة الجماعية التي حصلت لعائلتها..
قُتل أحبابها وانهارت حياتها وهربت للمجهول حيث لازوج ولا ابن ولا صديق يناصفها لغتها الأم
باختصار .. حيث لا أحد

وزاد التساؤل
ماذا ينتظرها بهذا العالم الجديد وهي في منتصف الخمسين كما يبدو ؟
كيف ستعيش؟ وماذا ستعمل؟ وكم مرة سيقتلها الحنين للوجوه التي فقدتها؟

مؤلم هذا الشعور عندما تفقد كل شيء .. تفترش العراء ولحافك السماء وتنتظر شفقة الآخرين لذنبٍ لم تقترفه سوى إنك بشر متمسك بالحياة

خسارة .. آلمتني .. جعلتني أشعر بمدى سخافتي من أحلام كثيرة لم تكتمل
حزنت رغم أني أعيش أشياء أخرى أكثر سعادة ولكني ممن يطمع بالمزيد 
أفكر بالمفقود وأتغاضى عن الموجود
أحزن على الناقص ولا أسعد بالكامل

دموعها هزّتني .. وبّختني على سذاجة احترفتها 
عندما أُكثر الشكوى من خطواتي البطيئة نحو أهدافي والتي لاتساوي شيء مقابل خطواتها السريعة هربًا من موتٍ محقق

أحدنا هرب ليعيش .. والآخر عاش ليهرب
أهرب من الاستمتاع بكل الأشياء التي تُمثل للآخرين حياة
لكني لا أدركها .. فالجشع بتضخم الذات يمل الموجود

صحة وأسرة وشهادة ووظيفة جيدة
 وأصدقاء رائعون وللتو انتهيت من محاضرتي مع طلبة كندا والتي كان لي أمثالها بباريس وإيرلندا وأستراليا .. 
كرم وسخاء من الله رب العالمين نُضيعه بالتفكير بالأمنيات المركونة على كرسي الإنتظار
ونعلق سعادتنا عليها غافلين .. 
والطمع بشهرة زائفة وانتظار تصفيق الجماهير 

للأسف .. موقف واحد
يُعيد لك التوازن في حياتك
يجعلك تخجل من خالقك ومن نفسك
كم من الجحود نمارسه ولانعي أثره
متناسين أن بالحمد تدوم النعم
ليس بالضرورة أن نحصل على كل مانريد
فلو حدث ذلك فعلًا لما خُلق الإنسان في كبد
ولفقدت الحياة قيمتها وشابها الملل
نحصل على هذا ونفقد ذاك وننجح هنا ونفشل هناك
وهذه حصيلتك بالحياة الدنيا ولكن أكثر الناس لايفقهون

فيارب لك الحمد على كل النعم التي لاتعد ولاتحصى

عن أذنكم:
بردت القهوة ولم أكملها
فمرارة الموقف تفوق مرارتها .. وحان موعد النداء الأخير 

إضاءة:
"ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"

آخر السطر:
ياكبر همك يافهيد .. الناس تموت وأنت تحاتي شكل الشاص الجديد !

دويع العجمي
@dhalajmy