الثلاثاء، 24 فبراير 2015

خسارة .. لن يشكره أحد

البداية:
"وكلٌ في فلكٍ يسبحون"

متن:
يُفيق صباحًا ليمارس روتينه المعتاد بشركة والده التي لم يتعب بها .. يحضر متى يشاء وينصرف متى يشاء ووجوده والعدم واحد فالعمل يُنجزه أولئك الكادحون تحت إمرته وهو بوضع "السكون" .. كل ماعليه هو الجلوس لساعات على مكتبه الفاخر والتخطيط أين ستكون وجهة سفره المقبلة واختيار "المقهى" الراقي لارتشاف قهوة التبجح والغرور .. لابأس هذا فضلٌ من الله يؤتيه من يشاء ولاعجب.

قهوة وعقول وتفاصيل
يجلس مع أصدقائه بذاك "الكافيه" الفخم .. يُحدثهم عن ساعته باهظة الثمن وتصميمها الخاص .. ماسها وطلاء ذهبها .. لايملكها الكثير .. ويعرج على سيارته التي لم تعجبه .. للتو رأت النور من وكالتها .. لكنها بطور التغيير .. يُشير إلى ذاك المحل .. يُشيد بجودة ملابسه وسعرها مناسب فهي تعادل راتبين لموظف "حكومي" .. ثم يفترس ملامحهم ليُرتب درجاتهم قربًا وبعدًا منه حسب قسمات ذهولهم ودهشتهم فكلما زادت كلما قُرّب صاحبها إليه .. فماذا كسب؟

الآخر يتصنع الدهشة والعجب ليتقرب إليه .. رغم أنه يعيش بمستوى لايقل ثراءً عنه .. يضحك على نكاته التافهة ويُنصت بجمود لمواضيعه الساذجة ..
يسأل عن آخر مواطن سياحته ويبدي التأمل من تكاليفها ليُشعره بقيمته .. يشيد بخبرته بـ "الماركات" ويستشيره بأجمل "العطورات" ويُثني على حديثه الزائف .. يُسارع لخدمته ويُحضر له مايُطفئ به "سيجارته" .. فكان الأقرب إليه ولكن .. ماذا كسب ؟

أما هو .. ثالثهم الذي ينتمي إليهم ولايشبههم .. موظف بسيط وراتبه يساوي مصروفهم اليومي .. لباسه محتشم لكنه ليس فاخر .. هاتفه يستقبل مكالمات ويُرسل لكنه ليس حسب الطراز الحديث .. يسخرون من سيارته القديمة فيشاركهم الضحكات ويزيد عليها .. يُقللون من شأن وظيفته فيضحك قائلًا الحظ لايصادف العظماء أمثالي .. يسألونه عن وجهته المقبلة في قائمة سياحته الفارغة فيُجيبهم بثقة "غرفتي وبأحضان سريري" .. زادوا عليه فزاد ضحكه على الواقع وقابلهم بالابتسامة .. ثم مضى .. فماذا كسب ؟

لحظة !
كيف ماذا كسب ؟
على الأقل هو كسب السعادة عندما أبصر حياته بعين الواقع .. لم يخجل من أيامه ورضى بقسمة الله في أمره .. قابل رذيل ثرائهم بجود نفسه وأخلاقه ..
 
هم ستمضي أيامهم يبحثون عن السعادة وذاتهم المفقودة ..
وهو سيفترش القناعة والتفاؤل وأحلامه المنشودة .. 

هم اختل توازنهم بترتيب البشر حسب أرصدتهم ومايملكون فرخصوا بعين الخَلْق .. 
هو انضبط إيقاع حياته وزاده الله ثقة فأحبه الناس لتواضعه وجمال روحه

هم دفعوا فاتورة القهوة والأشياء التي طُلبت لتملأ الطاولة تبجحًا للناظرين 
هو عاد للمنزل بعد أن مر ذاك المخبز الصغير ليشتري لوالدته لقمة يشاركها بالمساء فتطيب له الدنيا والسماء .. هو لم يعتد الدخول عليها فارغ اليدين ولو بالشيء اليسير .. فمن الذي كسب ؟

فاصلة،
للأسف .. أمثاله لن يعرفه أحد
ولن يذكره أحد .. وسيمر على الحياة كقوس قزح الذي تحجبه الغيوم .. 
ألوانه وجماله لن يُبصره أحد .. 
خسارة ياصديقي .. ستمضي أيامك الرائعة ولايصفق لك أحد
ستنجز مهام الصباح ولايشكرك أحد
ستُثري الدنيا بأخلاقك ولايُثني عليك أحد
ولكن .. أمثالك ينام مرتاح الضمير
فالمجتمع الذي ضاع بحب المظاهر .. لن يحترم أولئك البسطاء الكادحون .. فلذكراك الخلود

إضاءة:
وماقيمة البشر إلا بما تجود به عقولهم وينطقون"

آخر السطر:
الحياة ماهي بساعة كارتير وقلم ديور يافهيد .. عجزنا نعلمك.

دويع العجمي
@dhalajmy

الثلاثاء، 17 فبراير 2015

قاموس ومشاعر

البداية:
"وفي أبجديات الكلامِ سحرٌ للبيان"

متن:
وصلتنا بقالبها المعلب المستهلك .. أمثال وحكم وتفاسير قد لاتنطبق على مشاعرنا وربما لانؤمن بها لكننا اعتدناها .. والحقيقة أن في خيبات الأمل التي نعيشها وتجاربنا البسيطة؛ الناجحة منها والفاشلة .. نستطيع ترجمتها لقاموس ومعاني .. تُشبهنا بتفاصيلنا الصغيرة ونترجم بها إحساسنا الصادق المليء بالخيبات رغم التفاؤل .. إلى حين.

باب: خذلان وقرار 
"لايوجد رحيل مفاجئ فغالبًا هناك مؤشرات نتغافل عنها إلى أن يصفعنا الواقع"

الخذلان:
أقلّه .. أن يُسيء إليك من أحسنت إليه
وأعظمه .. أن تعاندك مشاعرك وتتعلق بمن لايشعر بك

فغالبًا .. التواجد الدائم يخلق الملل .. فيملك من سخرت كل حياتك من أجله ونادرًا مايلتقي العقل والقلب فمن تحكمت به عواطفه وجد الخيبات والخذلان من البشر ومن سار خلف عقله نجح في حياته ونام مرتاحًا دون ألم .. فلغة العقل كبرياء ولغة القلب شعور وقلمّا يلتقيان.

ومن القرارت الخاطئة:
"انعاش علاقة من طرف واحد .. فهي ميتة لامحالة"
قس ذلك في دوائر صداقاتك وزملائك ومعارفك .. فكل من تبذل له المستحيل ولايبذل لك الممكن لايستحق عطاءاتك .. وعلى قدر الإهتمام اعطِ المحبة

همسة كبرياء:
عش عظيمًا فأنت أهم من أن تخسر ذاتك من أجلهم .. صعبة نعم لكنها ليست مستحيلة .. مع الوقت سنعتاد وسنصبح أكثر مرونة بموازنة حياتنا مع الآخرين.

باب: قِمَم وقاع
الإحباط:
السؤال الدائم الذي يقابله برود دائم
 
أكبر خساراتك .. أن تُعلّق عواطفك بمن لايشعر بك .. القسوة على الذات مخرجك الوحيد .. عاملهم بالمثل وارحل
 
كثيرون يتغيرون .. وقد نكون نحن من تغير
الأهم أن الوقت لم يعد ممتعًا برفقتهم
البقاء معهم مجاملةً للماضي ..
هو ظلم للحاضر ..
ولبعض العلاقات في حياتنا تاريخ صلاحية 
مضر جدًا الرجوع إليها بعد انتهائها
لننهي كل شيء ونرحل .. 
هذا أفضل

"واهجرهم هجرًا جميلا"
أعظم قرار تتخذه في حياتك ..
هو رحيل دافئ .. 
لا أذى فيه ولاضجيج معه ..
عن ذاك الذي ماعاد "هو" الذي تعرفه ..
لملم بقاياك وارحل برفق دون وداع ..
ومهما تقبلنا قرار الرحيل .. يبقى الحنين أول مسافات الغياب .. ولكن للكرامة شموخ وللكبرياء ثمن.
والدرس العظيم الذي سنجنيه أننا في غياب من نحب .. 
سنرى الآخرين بوضوح .. 

فاصلة،
وعلى سبيل الإحترام:
أن تتدرج بالغياب .. تبتعد برفق .. ثم ترحل للأبد.

إضاءة:
 أكثر التجارب حزنًا؛ أن تتحدث برسمية مع شخص .. كان الأقرب إليك.

آخر السطر:
من الآخر .. من يرخص الناس يافهيد باعوه برخيص .. وصلت طال عمرك؟!

دويع العجمي
@dhalajmy


الأحد، 15 فبراير 2015

فصول ومواسم: صيف

البداية:
"ولسوف يعطيك ربك فترضى"

متن:
في حياة كل منّا فصوله ومواسمه الخاصة التي لاتشبه أحد، صيفه وشتاءه وتقلب أحواله فيفرح إذا غَنِمْ ويحزن إذا حُرِم وليس هذا بعظيم فنحن نتناسب مع طبيعتنا البشرية الناقصة التي تتمنى الحصول على كل شيء.

صيف:
بعد تخرجه من الجامعة قاتل من أجل دخول "ضبّاط الإختصاص"، كيف لا وهو متفوق وتنطبق علية كافة الشروط مدفوعًا بواسطة تعزز موقفه، خضع لاختبار القبول واجتاز حصة الرياضة .. كل شيء على مايرام ..
أيام فقط وأتاه اتصال يحدد موعد دخوله للدورة وبخطى واثقة ومتفاخرة ذهب حيث يحلم ويتمنى فهذا ماسعى من أجله.
بعد فترة قصيرة تبين إصابته بضمور بعضلات القلب ولم يعد يقوى التدريبات القاسية .. دخل المستشفى ليودع حلمه .. لتلحقه ورقة إعفائه من الوظيفة بسبب ظروفه الصحية فحزن وزاد مرضه واسودت الأيام بوجهه ..  ووصل إلى أن يتساءل ماذا فعل ليغضب الله عليه ويعاقبه وهو البار بوالديه والمشهود له بأخلاقه واحترامه ؟!
وسرعان مايستغفر ويحاول ملاطفة نفسه بالقناعة بواقع حياته وإن كانت قاسية فهذا قضاؤه وقدره .. ولامفر

حدث طارئ وإعلان جديد؟
بعد عودته من العلاج الذي استمر لقرابة العام .. يقرأ إعلان فتح باب القبول للبعثات بتخصصه من الجامعة والذي كان موقوفًا لفترة طويلة .. الشروط تنطبق عليه .. تقديرة ممتاز .. البعثه بذات البلد التي عالج بها .. لغته جيدة .. الهمة ليست عالية لكنها تحتاج تشجيع .. كل المؤشرات تقول أن الحظ سيبتسم له من جديد
خضع للإختبارات وتم قبوله .. بعد التخرج من الدراسات العليا عاد أستاذًا أكاديميًا بالجامعة .. راتب أعلى بكثير من زملائه بالتخصص السابق ومكان أكثر راحة وتأثيرًا بالمجتمع .. بينه وبين نفسه يهمس:
رزقني الله أكثر مما كنت أتمنى .. وأصبح لأيامي قيمة من عطاءاتي لطلّابي.

وبيقين برحمة الله يقول: حزنت على شيء تمنيته لظرف كتبه الله علي .. فعوضني الله بخيرٍ منه ولو عاد بي الزمن وفُرشت لي الخيارات لاخترت ما أنا فيه الآن بلاتردد.

لم يكن يحلم بتخصصه الحالي لأنه كان مغلقًا لفترة طويلة .. ولم يكن يتمنى الفصل من تخصصه السابق لأنه ماسعى من أجله وحلم به .. تقلّبت الظروف ودارت الأيام فتبدّل دوره وغير الله حاله والله على كل شيءٍ قدير.

فاصلة،
هناك هدف وغاية يقصر إدراكنا عن بلوغها .. كل رزق نُحرم منه .. كل هدف لانبلغه .. كل حلم لايتحقق .. لله حكمة في ذلك وهو خير من يدبر أمورنا .. 
الأسباب وبذلها والاجتهاد في ذلك ليست كافية لتحقيق مانسعى إليه .. فقد نجتهد ولانظفر .. لالشيء .. إنما لقسمة الله العادلة التي لايظلم فيها أحد
وعلينا اليقين أن في ذلك الخير والصلاح .. وإحسان الظن بالله سبحانه وإن انعدمت البدائل وغابت الخيارات فليس بالضرورة أن يعوضنا الله بخيرٍ مما نرغب فقد يكون باب شر علينا وصرفه الله عنّا

وإلى من زادت همومه وتكالبت عليه الأحزان وكسره الحرمان .. إن الله عند ظن عبده به فليكن يقينك بأن الفرج قريب "إن مع العسر يسرا"

قاموس:
الأمل:
أن تعيش وفي يقينك بأن الغد أحلى وأجمل وتنزع ستائر اليأس من نافذة التفاؤل فتُبصر من جديد

النجاح:
أن تتكيف مع ظروفك ولاتقيس حياتك على حياة الآخرين فترويض جشع النفس لايكون إلا بالقناعة 

إضاءة:
أليس الله بكاف عبده

آخر السطر:
تحسد خلق الله يافهيد وتحكي في قفاهم وتبي ربي يوفقك؟!
 أبكيك 

دويع العجمي
@dhalajmy

الاثنين، 9 فبراير 2015

فضيحة الشاعر المشهور وصديقي البار

البداية:
"ولاتحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون"

متن:
أعرفه منذ سنوات، صديقي دائمًا وأحيانًا لا أفهمه، جرئ وواضح ولديه نجاحه المهني الذي يُسعده، يحب الشعر ومتذوق جدًا له، يهوى تصميم الصور وكتابة القصائد عليها وكلما أرسل لي أبياتًا أسئله لمن فأجدها لذات الشاعر، يبدو أن صديقي معجب جدًا بشاعريته وإحساسه وفعلًا يستحق فلديه مايقدمه ومبدع بذلك .. فمالذي تغير ؟

من هنا بدأت الحكاية:
الشاعر نفسه لديه حساب في برامج التواصل، طبيعي جدًا أن يُضيفه صديقي فهو من جمهوره لكن ما صعقني هو أني وجدت صاحبي يشتم الشاعر ويكتب له كلمات مليئة بالتحقير والتطاول وفي كل مرة ينتهز أي فرصة ليُذيقه مر الكلام وسط حالة ذهول واستغراب وفي يقيني أنه لايزال يحب قصائده فماذا حصل!
في جلسة صراحة سألته: تحبه وتشتمه فكيف يجتمع المتناقضان؟!
حاول التملص من الإجابة وبأنه يضحك معه ويداعبه لكن لامجال لتصديق ذلك فما كُتب لاتخطه إلا يد الحقد والكُرْه ؟!
وبعد تحقيق طويل اتضح أن صاحبي لايحب منظر المعجبات حول الشاعر الشاب والشهرة التي حظي بها ؟!
لذلك هو يشتمه رغم اعترافه بأن قصائده تروق له ؟!

وخلف كل شتيمة .. ناقص
صديقي يشعر بالنقص عندما يرى جمهور هذا وذاك حتى لو لم يعترف به، فالنقص مرض يصيب المرء من حيث لايعلم ..
 والأمر واضح:
لا يشتم إلا ناقص ولا ويُسيء إلا جاهل 
أما النقد فهو بريء من كل هذا التحقير لأنه بشقّيه الساخر والصريح علم قائم بذاته يُبنى على علم ومعرفة وليس شتائم وإساءة ؟!
للأسف .. كثيرون في مجتمعنا يرفضون نجاح الآخرين ويُبررونها ويصنعون لهم ألف فضل وتوسل لبلوغ مبلغهم .. لا لشيء .. سوى أنهم بذلك يخففون عن أنفسهم ويُشبعون شعور الفشل بالتشفي بالناجحين وإن كانوا بمجال آخر.
مصيبة عقدة النقص فهي تُشعل النيران بالقلب فتجعله يحقد على من يعتقد بأنه أحق بنجاحهم وأنه لو توفرت له ذات الظروف لبرز نجمه ولمع؟
لكن صديقي لايعرف أن منصبه الوظيفي يتمناه الكثيرون ولايعلم بأن الله يرزق كل منا نجاحه الذي يستحقه ويسعده ولو شاهد الجانب الآخر من حياة الشاعر الذي يشتمه لرأى نواقص كثيرة لايملكها ويتمناها وقد يكون يملكها صاحبي ولكن أكثر الناس لايعلمون.

فاصلة،
النجاح أرض واسعة وفي سعة
ليس بالضرورة أن تقف الجماهير خلف نجاحك وتعيش تحت أضواء الشهرة
فمن يبدع بعمله ناجح .. ومن يبلغ أهدافه البسيطة ناجح
ومن يُكرم الناس بأخلاقه ناجح .. والحياة أجمل بكثير من أن نختصرها بتتبع خطوات الآخرين وتقزيمهم وتهميش إنجازاتهم.
وعلينا فهم فلسفة النفس وجشعها بطلب المزيد وترويضها لايكون إلا بالقناعة واليقين أن الله لايعطينا كل شيء وإن الإنسان "لكنود" يعد دائمًا نواقصه والأشياء التي حُرم منها ويتمناها ويغفل عن النعم التي بين يديه ومن أبصر حياته من نوافذ غيره لشاهد المُلْك العظيم.  
لكل منّا موهبته التي يتميز بها فالله لم يخلقك ليُشقيك ولكن تأمل قدراتك واكتشف ذاتك وأحب نفسك كما هي وكلما تمنيت الخير للآخرين رزقك الله راحة القلب والنفس ونلت الجزاء الحسن والنجاح الذي تستحق وتتمنى "والعاقبة للمتقين".
واعلم أن كل شيء بهذه الحياة خاضع لقانون الدوران
فهذا الشتاء يرتمي بأحضان الربيع
والليل والنهار متعاقبان
واليوم والشهر متلاحقان
وكل ماتزرعه من قولٍ وعمل يخضع لقانون الطبيعة وسيكون حصادك فإن ظَلَمت ستُظلم وإن أحسنت سيُحسن إليك
"وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم"

إضاءة:
ومن الإحسان أن تكف أذاك عن الناس فهم فيهم مايكفيهم"

آخر السطر:
تسب خلق الله يافهيد .. بسلط ربي عليك من ينتف زلفك

دويع العجمي
@dhalajmy 

الثلاثاء، 3 فبراير 2015

بنت الليل وفضيحة روان يوسف

البداية:
«ومن تحمّل لسعات النحلِ أكرمه صبره بالعسل والشهد»

متن:
للنجاح ثمن وللبدايات حنين.. والنجاح الحقيقي هو أن تُبصره من زاويتك أنت لا هم.. مجرد بلوغك أهدافك التي رسمتها لنفسك هو أعظم درجات النجاح وإن لم يُبصروه فيكفي أن تشعر به.. حينها فقط يحق لك أن تمشي بالأرض مختالاً فخوراً فوق كلمات التحبيط وسهام الحسد ولهيب الحاسدين.

بدايات:
كانت قبل سنوات.. كنت أشعر بأنني أستطيع ترجمة مشاعري لكلمات.. مع الوقت تمددت فأكملت رأس الصحفة إلى هامشها.. يتقلب المزاج صيفًا وشتاءً وتنعكس حالة الفرح والحزن على كتاباتي.. للتو بدأت النشر.. ليس لشيء إنما رغبة بإطلاق أنين الكلمات علّها تجد من يسمعها ويحتويها.

للأسف.. بداياتي كانت مليئة بالسخرية ممن حولي.. أصدقائي يصنفونها بالتفاهات وزملائي بالجامعة يرونها فرصة للضحك ولا أعرف السبب!

ولأنني ابن أبريل الذي يتميز مواليده بالعناد أكملت المسير دون الالتفات لكمية التفاهات والحماقات حولي ولأنني أتمتع بخبث فطري نشرت مقال باسم «روان يوسف» لأجد عبارات الإشادة من نفس الأشخاص بروعة هذه الكاتبة وجمال بيانها وإحساسها العالي بالكتابة وعبارات كاذبة أخرى!

سبحان الله.. الأسلوب ذاته والمضمون نفسه ولكن اتضح لي أن تقييمهم ورأيهم يُبنى على الاسم الأخير.. متى ما ذُيّل المقال باسمي فهو سخيف وساذج قبل أن يُقرأ!؟

حينها.. صممت آذاني عن رذيل تفاهاتهم ومضيت بعالم النشر ومن سنة لسنة وبعمر صغير كتبت بأهم الصحف إلى أن وصلت اليوم لـ الوطن القطرية وفي لقاء تليفزيوني قلت للمذيع إن مدخولي من الكتابة أعلى بكثير من مهنتي المحاماة.. رغم أن الأولى موهبة والثانية تخصص.. وعندما بلغت الإشادة بما أكتب وحصلت على ما يسعدني أصبح أعداء البدايات وكأنهم لا يبصرون!

نبض وهمس ومشاعر
الحسد فطرة بشرية علينا الإيمان بها فمن يقف معك على ذات الخط لا يحب أن يراك تتقدم وتبلغ شيئاً هو يعجز عنه.. غالبًا هو يُكرّس جهوده لتحطيمك وأحياناً يمارسها من حيث لا يعلم، فالحسد عندما ذكر بالقرآن لم يأت من البعيد الغريب، بل جاء من إخوته وكادوا له كيدًا عظيما وهو سيدنا يوسف عليه السلام.. وعلى هذا عليك أن تفهم أن كل درب نجاح تسعى إليه من الطبيعي ألا يلاقي استحسان أقرانك.. زملائك.. أصدقائك وقائمة الأسماء الطويلة في حياتك، فهناك من يتعمد تهميشها وآخرون يشعرونك أنك لا شيء وقلّة قليلة من تثني عليك وتدفعك للأمام.

أعترف أن سهام التحبيط بلغت مبلغها وأوغرت صدري بالبدايات وكنت على وشك التوقف ولكن رغبة السماء سخرّت لي الأمور، فبلغت الأهداف التي رسمتها لنفسي وهذا نجاح لا أحتاج اعتراف الآخرين به وكما قالت العرب: «أنت حيث تضع نفسك» فعش نجاحاتك واستمتع بها وإن كانت بسيطة فمن حق نفسك عليك أن تشعرها بالرضا وليس هذا من الغرور بشيء

واليوم أصبحت أكثر بلادة بتقبل المشاعر السلبية بعد هذه التجربة المهمة التي علمتني فما بلغته جعلني أتيقن بأن لدي ما أقدمه وتعلمت بأن العزلة تُرمم الصدع الذي تحدثه مطارق كلماتهم.. مع الأسف. 

فاصلة،
النص أعلاه هو رسالة لكل من يملك شيئا يحب أن يفعله ويخشى سخرية من حوله ونقدهم.. في البدايات سيسخرون منك وبعد النجاح سيأخذون وضعية الميت ولا يتنفسون واقعك ولا يبصرونه وهذا من الإحسان.

لديك أشياؤك المبعثرة التي تحبها.. وبعض التفاصيل التي تميزك عن غيرك.. ولأن حولك من يحطم سلّمك الخشبي فتعجز عن بلوغ عناقيد العنب.. كم من شخص تحطمت أحلامه وبلغه اليأس بسبب حسدهم وكم من شخص تقاعس عن السير بدرب النجاح بسبب غبار مناخهم ففقد البصر والبصيرة!

ليس بالضرورة أن يقتنعوا بما تفعل ولا تسعى لذلك، فكثير من البشر يحترف تحطيم المعنويات وطمس فضائل الناس.. ولكن الأهم أن تدرك سقفك وأرضك وتبصر حياتك من نافذة الأمل لتستمتع بحياتك وعلى هذا وازن مقاييس النجاح.

قاموس:
تجربة مؤلمة:
أن تتحدث برسمية مع شخص كان الأقرب إليك.

الاحترام:
أن تُكرمني بتجاهلك رغم كُرهك.

إضاءة:
أولى دروب النجاح هو إيمانك الحقيقي بقدراتك وإمكانياتك.

آخر السطر:
قاعد على مركاك وتنظّر بحياة فلان وفلان وأنت بارك في محلك.. أبكيك يا فهيد.

دويع العجمي
@dhalajmy

الأحد، 1 فبراير 2015

بين الوزير والطفل البدون .. كرامة ومسافات

البداية:
"وفي كرامة الذات تختلف موازين البشر"

متن:
السابعة صباحًا من شهر يوليو الحار .. يبدأ يومي بالخمول أحيانًا والتذمر غالبًا من وجبة الإفطار التي لا أحبها ولكنها مبرر لتفريغ شحنة المزاج المغلق والذي بعد جرعات إضافية من الكافيين أستوعب الزمن والعمل فينضبط إيقاع تنفسي للحياة وأعود أفضل 
في طريقي لمؤتمر طُلب مني إلقاء كلمة الافتتاح وكعادتي مع احترام الوقت أحضر باكرًا قبل الموعد بساعات .. جلست مع الشخصيات المسئولة عن الفعالية وكل منهم بمنصب مهم وينتمون لعوائل معروفة بالثراء .. أحاديثهم كانت عن مزارع سويسرا وعقارات أمريكا وعطورات باريس وأشياء أخرى لا أفهمها لكنها لاتعنيني .. طريقة كلامهم ورتم إيقاعها البطيء فيها فوقية وأعذرهم عليها فهم وُلدوا وفي أفواههم ملعقة من ذهب ولكن مالم أستطع تجاوزه هو تعاملهم مع موظفي المؤتمر بكبرياء وسمو لا أحبه فاتضح لي أن مستوى تفكيرنا وثقافتنا ومواضيعنا مختلفة وليس هذا بنقيصة لي ولافضيلة لهم فأمثالي من ذوي الدخل المحدود أكبر همه إصلاح "مكيف" الفورد الفاخر الذي أملكه وآخر همي معرفة أسعار البورصة التي أعتبرها "طلاسم" .. عمومًا كل هذا لايهم
استأذنتهم للتحضير لكلمة الافتتاح والتدرب عليها فالوقت قد اقترب.

-ومع أول بشت ينكشف المستور:
شخصية مهمة تدخل قاعة المؤتمر وهو أحد أبناء الأسرة الحاكمة سلمت عليه وعرفته بنفسي ومضيت لأرى حجم التملق من أولئك الذين جالستهم قبل قليل .. فجأة أصبحوا ودودين فهذا يُخبره نكتة وهذا يجلب له قهوته رغم وجود "سيرفس" وذاك يُشيد بجهوده ويُبلغه ثناء الناس عليه ووسط مشهد بانورامي يحدث أمامي ثارت علامات التعجب !!
فرغم ثرائهم ومناصبهم لكن لم أفهم لماذا هذا التنازل الكبير عن أنفة الذات والكبرياء المحمود في عزّة النفس؟
ابن الأسرة الحاكمة لديه من الذكاء مايكفي ليُدرك هذا التملق من حوله وفك شيفرة التعامل الطبيعي والوصولي لكن ليس بيده شيء فهذا أمر اعتاده واكتفى بالصمت !!
حينها تساءلت:
مالذي يُجبر أشخاص بمكانتهم أن يفعلوا ذلك؟
ومالذي هم بحاجته رغم ثرائهم ومناصبهم؟
وأين العظماء الذين شاهدتهم قبل قليل بطريقة كلامهم وجلستهم ونظراتهم ؟؟
هل هو جشع النفس لطلب المزيد .. أم أن الكرامة كما قالوا شيبانا: "تحضر وتغيب"؟

لست بصدد تفخيم الذات لكني رغم تواضع حياتي وبساطة ما أملك كابرت على نفسي أن أُطيل معه الحديث والنقاش حتى لايراني كما يراهم وأعذره ولا ألومه .. فالإحترام مكفول لإبن الأسرة ومنصبه، هو لم يُخطئ لكن الأشخاص من حوله اعتبروها فرصة يجب استثمارها بالتقرب إليه واقتناص رضاه ومحبته .. لكن أيضًا ليس بهذا الشكل؟
حان الموعد .. افتتحنا المؤتمر .. القيت كلمتي .. ومضيت .. وانتهى كل شيء .. خرجوا يُسايرون خطواته وخرجت بحيرة تساؤلاتي .. ولاعجب !!

-شهر تموز لن ينقضي دون درس وعِبَر:
أيام مرّت على هذا المؤتمر ، عائد للمنزل من مشاويري الروتينية لأقف عند إشارة المرور التي أصبح احترامها محبب بوجود برامج التواصل وقتل دقائق انتظارها بالتغريد بتويتر أو تصفح الأنستقرام 
تحت أشعة الصيف الحارقة يقف ذاك الصغير حاملًا علب المناديل .. يتجول بين السيارات سائلًا عونهم راغبًا منهم شراء مافي يده .. عمره بين التاسعة ولايتجاوز الحادية عشرة .. وجهه شاحب وجسده نحيل جدًا .. انتهز الوقوف أمام إشارة المرور ليبيع بضاعته علّ بثمنها يُسكت جوعه .. ناديته .. أعطيته المقسوم وماهو بشيء يذكر لكنه ماكان موجود .. حاولت أن أعطيه دون أخذ بضاعته شفقةً على طفولته التي ضاعت بين الطرقات لكنه رفض أخذها قبل أن أستلم علب المناديل رغم حاجته للمال .. أصريت عليه فرفض وعندما وضعت المبلغ في يده باغتني ليقذف المناديل عنوة بالسيارة .. الإشارة خضراء والسيارات خلفي لاتقوى الانتظار وتجاوزني الزمن فمضيت لمنزلي ومضى لمستقبله المجهول وأحلامه المؤجلة

سبحان الله .. طفل محتاج من فئة "البدون" لامال له ولا سند .. رغم حاجته إلا أنه رفض شفقة المحسنين فانتصر لكرامته ورفض أخذ الثمن بلامقابل .. لم يخبرني نكتة ولم يصفق لإنسانيتي البائسة التي كثيرًا ما أتناساها حتى يصفعني الواقع فأعود لحجمي الطبيعي .. شتّان بينه وبين ذوي المناصب والساعات الباهضة والسيارات الفاخرة الذين سقطت كرامتهم وعزة أنفسهم تحت بشت "طويل العمر" وليتهم يتعلمون منه معنى الشموخ والسمو بالذات كما تعلمت منه أن حياتي التي أحيانًا أخجل من تواضع مافيها هي جنة لآخرين يتمنونها .. ولكن أكثر الناس "لايفقهون

فاصلة،
عظيم جدًا أن تعتز بنفسك دون تفخيم 
تعيش وسطًا بين التواضع والسمو
فكثرة التواضع تجلب الذل .. والمبالغة بحب الذات مُنفرة
شهر تموز علمني أن الكرامة:
ميزانك عند البشر متى تنازلت عنها فقدت احترامهم .. فشكرًا لصديقي .. صاحب الجسد النحيل .. ما أعظمك 

إضاءة:
ستكون رائعًا ومبهرًا إذا أحببت حياتك كما هي

آخر السطر:
ومن الكرامة يافهيد انك تحشم الناس .. وبحشمونك

دويع العجمي
@dhalajmy