السبت، 22 نوفمبر 2014

الولد الترف اللي بجامعتنا

البداية:
"وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون"

متن:
درس معهم بمايسمى "الفصل الحر" قادمًا من جامعته ليُنجز مواد معينة ثم يعود لها، الطلبة لايعرفونه وهو هادئ وحسن المظهر، خلال أيامه الأولى تبين حرصه والتزامه بالدراسة ليشيد به أساتذته لتحضيره للدروس قبل المحاضرات، شخصيته انطوائية بعض الشي وملامحه البريئة انعكست على وجنتيه وأخلاقه العالية .. ولكن؟

"حتى الكمال .. يحضر ويغيب"
الكل يشيد بخلقه والجميع يتهامسون بينهم أن لديه "مشية أنثوية" وكأنه يتعمدها فطريقة ثني الخصر أثارت سخط الطلبة واستغرابهم ..
وبات السؤال الحاضر"إذا كان بهذا الإحترام والوقار؛لماذا يفسده بتعمد الأنوثة"
أصبح الطالب الجديد يجمع كل المتناقضات فسلوكه بين الرزانة والرذالة جعل الغالبية يرمونه بالغمز واللمز وعلى مسامعه وهم يتضاحكون مقللين من احترامه .. وحسنًا فعلوا فأمثاله لايستحقون الإحترام.
وكلما مر على مجموعة من الطلبة سمع الأمرين والغريب أنه مُصِر على تلك المشية المريبة ولم تهزه سهام الساخطين والشيء الوحيد الذي تغير تلك الابتسامة العفوية التي اختفت لتزداد انطوائيته ووحدته.

"وياشين ذنب الحكي وياثقل دمه"
شارف الفصل الدراسي على الانتهاء، الطالب "الترف" سيعود لجامعته بعد أن سمع كل مالايحب ولايرضا، أحد الزملاء استعان بدفتر محاضراته ودار بينهم نقاش قصير ليعود لبقية الطلبة يخبرهم أن سلوكه وكلامه لايشبه مشيته فاحتاروا في أمره ولكن لايهم فالمكتوب واضح من "خطواته"
المحاضرة القادمة والأخيرة ستكون "تجربة غيرتك" يتحدث خلالها الطلبة عن حدث غيرهم وأثر فيهم .. وجاء الموعد وطالب تلو الآخر إلى أن ارتقى زميلهم الجديد المنبر ليتحدث عن كيف كان مغرورًا بشبابه ودلال والده له واهتماماته السطحية وإثر حادث بالسيارة تسبب له بكسر بالحوض وإعاقة دائمة تغيرت نظرته للحياة وللآخرين حتى تلك الكماليات التافهة ماعادت تهمه .. وبصوت مليء بالحزن يكمل:
وكأن الله وهبني إعاقة دائمة في عظام الحوض لتؤثر على خطواتي ولياقتي حتى أتذكر أني ضعيف ولا اغتر بهذه الدنيا الفانية رغم ما أناله من نظرات حارقة وهمسات تقتل فيني السعادة ولكني أقابلها بالتغافل أما إعاقتي  فهي مشيئة الله والحمدلله أولًا وآخرًا"

نزل من المنبر وسط صمت غلّفه الحزن على سوء الظنون ليس من زملائه حتى أنا وأنتم حكمنا عليه ببضع كلمات والآخرين بسبب تلك الخطوات ولم يكلف أحدًا نفسه أن يسأله عن سببها ولم نلتمس له العذر، لف الوجوم وجوه الحاضرين وبهدوء غادر القاعة وكأنه يرفض اعتذاراتهم فقد اعتاد على المشي على الشوك ومن تدمى قدماه من شوك الظنون يفقد شعوره بالألم.
 حاولوا ادراكه لكنه مضى حيث مجتمع جديد يُسمعه ذات الكلمات وهمسات الاحتقار التي لاترحم والناس الذين بكلٍ ظنٍ يُسيئون وإن "أكثر الناس لايفقهون"

"وجعل عين أمي بالوجود"
أساؤوا الظن بها لرفضها طابور العرسان الذين يتقدمون لها وهي التي تسكن مع والدتها وحدهم دون رجلٍ يحميهم فوالدها رحل وليس لها أخوة.
 ليقول جارها الشاب على مسمع من أصدقائه ولماذا تتزوج شابة جميلة وليس عليها من يسألها عن مواعيد خروجها وغيابها وكأنه بحكمٍ مبطن يرميها بشرفها ليصدقه السفهاء جلسائه فتلك البنت اللعوب تريد الحرية بماتفعل
وحين بلغها ماقاله جاءته تبكي لتنطق دموعها: "لم أرفضهم بل هم من رفض شرطي فوالدتي المسنة المريضة في رقبتي وشرطي أن أُعيلها وتعيش معي فيغادرون وأعذرهم فمامن شاب يريد تحمل إمرأة على فراش المرض وأعذر نفسي فأمي باب من أبواب الجنة ولن أغلقه بعقوقي" .. كفكفت دموعها وذهبت وعلى هذا يستمر مجتمعنا المريض بإساءة الظن وخبث النوايا بتفسير الأشياء فنحن أقوامٌ نتفنن بتفسير الأشياء بخبث الظنون ونبني نجاحاتنا بهدم نجاحات الآخرين ونبدع بالتشهير بالناس على الفرضيات والذنوب ولكن .. "إنه لايفلح الظالمون"

فاصلة،
هكذا نحن وهذه صورتنا القبيحة مهما حاولنا تجميلها ونكرانها ولكنه واقعنا المؤلم المليء بسوء الظنون والسعيد من يحسن الظن دائمًا و لايرفع سقف توقعاته بالآخرين ولاينتظر منهم حمدًا ولاشكورا أما أفشل الناس من ينشغل بغيره وأحقرهم من يحترف إساءة الظن فكم من سوء ظنٍ هدم مستقبلاً وقتل صاحبه وجعله منبوذًا بين أهله وجيرانه ومن يتأمل نصائح لقمان الحكيم لوجد أن أكثرها جاء بحسن الظن وفيها رسالة أن راحة القلب والتوفيق بالخُلُق الرفيع وأساسها ظنٌ حسن وكلمة طيبة .. أما أنا فوالله منذ سنوات قليلة مضت اتخذت قراري بأن لا انشغل بغيري ولا أسيء الظن به ولا ارفع سقف آمالي حتى فيكفي من الخذلان ماجنيته من تجارب سابقة .. قد نرويها قريبًا.

إضاءة:
من ساء ظنّه ساءت أخلاقه وأظلمت حياته

آخر السطر:
ودروب الردى يافهيد بصاحبٍ ينحكى به

دويع العجمي
@dhalajmy

السبت، 15 نوفمبر 2014

درس جديد أُضيفه لقائمة حماقاتي

البداية:
"وإن لم يجدوا فيك عيبًا .. كسوك من عيوبهم ثم عابوا"

متن:
تروق لي البدايات وتؤلمني التجارب الفاشلة وإن كنت أخرج منها بدرس يقوّم إنسانيتي ويجعلني أفضل إلا أني أحزن على حالي فالأرق والليل ما إن يجتمعان إلا كان جلد الذات ثالثهم فاللهم عطفك ورضاك.

"حدث ذات يوم"
جمعتنا ملتقيات ثقافية كثيرة، لا أعرفه جيدًا ونكتفي بالسلام والسؤال عن الحال وتلك المصافحات الباردة وقائمة الترحيب المعلبة التي نرددها كنوع فاخر من المجاملات الإجتماعية، يبدو مثقفًا وقليل الكلام ومستمع جيد، هذا انطباعي الأول تجاهه وبعد كل محفل ثقافي يعود كل منا لينغمس بحياته ودوائرة علاقاته المنفصلة عن بعضنا

هاتفي يرن .. رقم غريب والصوت كذلك يبدو غريب .. عرفني بنفسه .. نعم هو .. الشخص ذاته الذي تجمعني به الصدف والمناسبات، اختصر سلامه ودعاني لتشريفه بديوانه .. أغلقت الخط بعد أن شكرته على الدعوة .. وبعد حين علمت أنه زميل صديقي المقرب بالعمل ومن الطبيعي أنه يعرفه جيدًا .. فماذا حدث؟

"وليت مسامعنا ماتصغي لكل حيٍ ينحكى به"
إيّاك .. فهذا متغطرس ومغرور ولايغرنك انطباعك الأول فالطيور على أشكالها تقع .. هذا مابدأ به صديقي عندما سألته عنه ؟
وأكمل: شخص أناني ولاينظر للآخرين بشيء ولديه انتقائية بالتعامل مع زملاء العمل و ... الخ قائمة التعرية التي جعلتني أكره هذا الشخص فأنا أثق بصديقي وحينها قررت اقصاءه من حياتي وكان ذلك فلم ألبي الدعوة وأكتفي بالرد على اتصالاته برسالة "عذرًا كنت مشغول" حتى اختفى اسمه ولم يعد يظهر على الشاشة "يتصل بك"

"وليت الندم ياصاحبي يعيد ماكان"
بدعوة من اتحاد الطلبة بأحد الدول الأوروبية حليت ضيفًا هناك .. كان موجود أيضًا .. نعم ذاك الذي عرّاه صديقي وكشف وجهه الحقيقي فأقصيته بتجاهلي .. وكأن القدر شاء أن يكشف قبح تصرفاتي فسكنا ذات الفندق
خلال السفر جمعتنا لحظات من النقاش والمواضيع فوجدته شخص مهذب ومحترم، عجبني عمق روحه الإنسانية وحرصه على الصلاة، لم يكن متغطرسًا ولا مغرورًا وكما قال ابن حنبل صاحبك من صحبته في سفر .. فالسفر ينخل البشر فيجعلك ترى عمقهم الفكري وشخصيتهم الحقيقية وهذا مازادني ألمًا وحسرة حتى بت أتساءل :
إذا كان بهذه الأخلاق والوقار فلماذا تكلم عنه صديقي برذيل الكلام؟

خلال حديثنا مع بعضنا أخبرني أنه ينتقي صداقاته بشكل جيد ولايحب العشوائية بعلاقاته وأثناء طرح اسم صديقي بشكل عرضي تكلم عنه بالحسنى وبتحفظ .. علمت أني اقترفت ذنبًا بالحكم على الأشخاص بأذني وليس بعيني فويلٌ للظالمين

"إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا"
نص رباني صريح يُهذّب النفس البشرية الأمارة بالسوء وهو عن الفاسق ومايرويه وبنظري أن كل من يتحدث عن الآخرين بمايكرهون هو فسقٌ عظيم
 النفس البشرية ليست واحدة وانفعالاتنا متغيرة، فقد تلتقي بشخص ولايكون ثمة خطأ بينكم ولكنك لاتحبه وتنفر منه وعلينا اليقين أن هذا من طبيعة الأشياء ومن موازين القلوب فنحن لانستطيع التحكم بمشاعرنا ولكن نستطيع تهذيبها، أن لايكون هناك تفاعل مع شخص ولانحبه ولايحبنا لايعني أنه سيّء ومتعالي بل لأن لكل منا اهتمامات وقناعات واسلوب حياة يختلف عن الآخر ناهيك على أن أبناء الكار الواحد والمهنة الواحدة قلما يتفقون فدوائر الحسد والغيرة من طبيعة البشر.
صديقي المقرب هو شخص جيد بالحياة ولكنه لم ينسجم مع هذا الناجح والناضج وكلاهما جيد باسلوب إدارته لأموره وذاته ولكنهما لايلتقيان فكريًا.
ليس هذا المهم .. فالأهم أنني وقعت بذنب عظيم بحكمي على هذا الناجح بما سمعت دون أن أرى منه وأحكم وكثير منا يقع بهذا التصرف الأحمق وعلينا أن لانهتم لما نسمع بل بما نرى ونعطي الآخرين فرصة لنحكم عليهم وبعدها نقرر ما إذا كانوا يناسبوننا كأصدقاء ومعارف أو نمضي بحياتنا التي لانعرف متى نتعلم وننضج ونتوقف عن السقوط بمثل هذه الحماقات الساذجة


فاصلة،
في كل مرة أعد نفسي أن أكون شخصًا جيدًا على الأقل بإنسانيتي التي انتمي إليها سرعان ما أكبو وأتعثر ليصحبني الليل برحلة مع تأنيب الضمير وجلد الذات .. لابأس درس جديد أتعلمه من قائمة حماقاتي الكثيرة ونسأل الله المغفرة لكني عزمت على أن لا اسمع من أحد وابني حكم على الآخرين بما يقولون فأنجح الناس هم أولئك الذين لاينشغلون بغيرهم أما أذكاهم فهم الصّامون آذانهم عن كل قبيح يروى بحق الآخرين.

إضاءة:
علمتني الحياة أن أعظم قرار نتخذه هو كف أذانا عن الآخرين فالناس فيهم مايكفيهم.

آخر السطر:
ومايحكي بك يافهيد الا اللي عاجزٍ عن علومك

دويع العجمي
@dhalajmy