السبت، 7 نوفمبر 2015

سذاجة جديدة أضيفها لحياتي



:البداية
"ولك من بعض الصدف صفعة تُعيد ترتيب أولوياتك"

متن:
المكان: مطار تورينتو بكندا 
الرحلة: عائد لأمريكا بعد دعوة لملتقى طلبة مونتريال
الوضع: تأخير لمدة عشر ساعات على الإقلاع لسبب فني .. رغم أني أتيت قبل موعدي بساعتين وهذا نصف يوم سأقضيه بالمطار ..

لابأس .. سأنسى الفراغ مع أول رشفة من قهوتي 
التي أحب وأسافر بين القراءة والكتابة وتصفّح تلك الوجوه المارّة بين مغادرٍ وقادم ومشاركتهم مشاعر اللقاء والوداع وبقية تفاصيل الرحيل .. واتأمل المشهد بصمت.

على مقربة مني مكتب "الهجرة" للمهاجرين غير الشرعيين
رأيت تلك العجوز بملابسها البالية 
تحمل أشياء ملفوفة بقطعة قماش كحال الفقراء بالأفلام الوثائقية والذين لم أكن أصدق أن لهم وجود

يسألونها كيف تأتين بدون تأشيرة ؟
فتبكي وترد دموعها بدل الإنجليزية التي لاتُجيدها
 لكن ماعرفته أنها من تنزانيا وهربت من الإبادة الجماعية،
كان واضحًا عليها الخوف والتعب وكأن تجاعيد السنين التي ارتسمت على ملامحها كانت بحاجة لمزيد من البؤس 

ولأن بلاد الغرب ملاذ البائسين..  هدؤوها .. 
مسحوا دموعها 
وأعطوها طعامًا يوقف رعشتها 
وفي غمرة حنونة حاولوا إضحاكها فابتسمت والدموع لاتزال على وجنتيها
هذه الدموع لاتجف .. لا الوقت ولا الزمن سيمحي أنينها بمحاجرها 

من الواضح أنها عاشت الجوع والفقر والعذاب وهربت تاركة أيامها وأهلها وبقايا ذكرياتها.

انتهى المشهد هنا .. وبدأ مشهد آخر
لا أعلم لماذا تخيلت شكل الإبادة الجماعية التي حصلت لعائلتها..
قُتل أحبابها وانهارت حياتها وهربت للمجهول حيث لازوج ولا ابن ولا صديق يناصفها لغتها الأم
باختصار .. حيث لا أحد

وزاد التساؤل
ماذا ينتظرها بهذا العالم الجديد وهي في منتصف الخمسين كما يبدو ؟
كيف ستعيش؟ وماذا ستعمل؟ وكم مرة سيقتلها الحنين للوجوه التي فقدتها؟

مؤلم هذا الشعور عندما تفقد كل شيء .. تفترش العراء ولحافك السماء وتنتظر شفقة الآخرين لذنبٍ لم تقترفه سوى إنك بشر متمسك بالحياة

خسارة .. آلمتني .. جعلتني أشعر بمدى سخافتي من أحلام كثيرة لم تكتمل
حزنت رغم أني أعيش أشياء أخرى أكثر سعادة ولكني ممن يطمع بالمزيد 
أفكر بالمفقود وأتغاضى عن الموجود
أحزن على الناقص ولا أسعد بالكامل

دموعها هزّتني .. وبّختني على سذاجة احترفتها 
عندما أُكثر الشكوى من خطواتي البطيئة نحو أهدافي والتي لاتساوي شيء مقابل خطواتها السريعة هربًا من موتٍ محقق

أحدنا هرب ليعيش .. والآخر عاش ليهرب
أهرب من الاستمتاع بكل الأشياء التي تُمثل للآخرين حياة
لكني لا أدركها .. فالجشع بتضخم الذات يمل الموجود

صحة وأسرة وشهادة ووظيفة جيدة
 وأصدقاء رائعون وللتو انتهيت من محاضرتي مع طلبة كندا والتي كان لي أمثالها بباريس وإيرلندا وأستراليا .. 
كرم وسخاء من الله رب العالمين نُضيعه بالتفكير بالأمنيات المركونة على كرسي الإنتظار
ونعلق سعادتنا عليها غافلين .. 
والطمع بشهرة زائفة وانتظار تصفيق الجماهير 

للأسف .. موقف واحد
يُعيد لك التوازن في حياتك
يجعلك تخجل من خالقك ومن نفسك
كم من الجحود نمارسه ولانعي أثره
متناسين أن بالحمد تدوم النعم
ليس بالضرورة أن نحصل على كل مانريد
فلو حدث ذلك فعلًا لما خُلق الإنسان في كبد
ولفقدت الحياة قيمتها وشابها الملل
نحصل على هذا ونفقد ذاك وننجح هنا ونفشل هناك
وهذه حصيلتك بالحياة الدنيا ولكن أكثر الناس لايفقهون

فيارب لك الحمد على كل النعم التي لاتعد ولاتحصى

عن أذنكم:
بردت القهوة ولم أكملها
فمرارة الموقف تفوق مرارتها .. وحان موعد النداء الأخير 

إضاءة:
"ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"

آخر السطر:
ياكبر همك يافهيد .. الناس تموت وأنت تحاتي شكل الشاص الجديد !

دويع العجمي
@dhalajmy 



هناك 6 تعليقات:

  1. مقال جميل ....نحن ابنا الخليج بفضل من الله غارقون في نعم لا تحصى ولا تعد ولكن هل نشكر ! هنا السؤال !

    ردحذف
  2. مقال جميل ....نحن ابنا الخليج بفضل من الله غارقون في نعم لا تحصى ولا تعد ولكن هل نشكر ! هنا السؤال !

    ردحذف
  3. اللهم ادم علينا نعمك ولاتجعلنا من القانطين

    ردحذف
  4. كلماتك بسيطه لكن كبيره بمعانيها.. اشكر لك صفاء قلبك الذي ابصر هذه اللحظات المنكوبه..والتي ربما لو احد بمثل مقامك لو رأها لن تهز فيه شي سيراها كما لو أنها لاشي ..

    كلماتك سخيه جدا ويكفي انها تنبع من قلب صادق واحساس لايمكن ان ينكره احد..

    نحن في زمن تملؤه النعم وملذات الحياة وحق علينا فيه أن نكون إلى الله أقرب ونبعد عن ملهيات هذا الزمن التي كلما زادت ابتعدنا عن الله اكثر وقل شكرنا وحمدنا له....
    ربي نعوذ بك من قلوب لاتفقه عقابك من رضاك وقلوب غطاها الران فضلت سبيل النجاة...

    ردحذف
  5. وعلى هامش الحياة ،، الكثير من العبرات ،، و فيض من امنيات ،،
    مقال رائع ابدعت في الوصف ياسيدي الفاضل ،، نقلت الصوره و قبلها الاحساس ،، تحياتي لقلمك و حرفك الراقي ،، كل الشكر ��

    ردحذف
  6. كثيرة هي الصدف التي بمثابة صفعات من المفترض ان تعيد توازننا و تبصرنا أكثر في حياتنا
    لكنها تحتاج لعين مبصرة و ذهن صافي و سلامة قلب

    ادام الله ابجديتك

    ردحذف