الخميس، 21 مايو 2015

سأعود بعد قليل



البداية:
"كل إبداع يحتاج تقدير ليكبر"

متن:
كانت رائعة .. مميزة بأناملها التي تتراقص على البيانو فتنشد أجمل النغم .. لاحظ موهبتها أساتذتها فعُرفت بالمدرسة براقصة البيانو لأن ماتفعله أكبر بكثير من مجرد عزف.

تعود من مدرستها لتقبل جبين والدها العائد للتو من مخبزه الصغير .. وبين الماء والطحين عجن سنين الكفاح بالصبر والرضا بالقليل فكان أسعد الناس ..
وما أن تُنهي تلك الجميلة واجباتها حتى ترافق والدها ممسكة بيمينه إلى حيث أمضى سنين عمره لتخبز معه وتتحمل لسعات الفرن التي جعلتها تتخطى عمرها ومع ذلك تتألم بصمت.
 
يُفيق الصباح فيطرق نافذتها لتنهض تلك المُشْرقة المحبة للحياة رغم تواضع ماتعيشه ولكن مازاد ذلك عليها الا ابتسامة وسرور.

إعلان هام وعاجل ؟
فرقة المدينة بحاجة لعازفة بيانو للضرورة القصوى فالحفل الكبير اقترب والجميع ينتظر!
عُلّق الإعلان بالطرقات .. والممرات .. وعلى جدار مدرسة "سلمى" فماكان من أساتذتها إلا ترشيحها وبعد أول اختبار أذهلت الجميع برقصات أناملها فتم الاتفاق.

الكل يُجمع على موهبتها بالعزف .. و"المايسترو" قرر إعطائها وصلة منفردة لتُطرب الحضور .. انتهى الحفل بعد تصفيق حار اعتلى فيه قائد الفرقة المسرح وانحنى للجمهور في حين أن سلمى جالسة على كرسيها تتأمل المشهد بصمت !؟

الحفل الثاني بمدينة ليست قريبة .. طُلب من الجميع التجهيز .. ورافقتهم تلك النحيلة وكل التركيز عليها .. في قائمة الحفل وُضع طلب برغبة الحضور بالاستماع لعازفة البيانو بوصلة منفردة عن "الأوركسترا" وتم ذلك وتكرر المشهد بانحناء المايسترو لحرارة التصفيق بعد وصلة سلمى وهي في عجب !

حان الآن توزيع الأظرف لكل عضو بالفرقة .. وحصلت سلمى على ظرفها وبه مبلغ يخجل المرء من ذكره !
هل هذا جزاء موهبتها واجتهادها والتزامها ؟
هل هذا ماتستحقه بعد أن ذاع صيت الفرقة بسبب تألقها ؟

لم تسأل ولم تعاتب .. أعطتهم فستانها الأبيض القصير الذي اجبروها على ارتدائه وقالت "سأعود بعد قليل"

لكن القليل طال .. غادرت ولم تعد.. غادرت وعادت لمخبز والدها وضحّت بشهرة يسرق أضوائها جشع يرى في نجاحها فضل كبير له وينسبه لنفسه .
غادرت بعد أن سقط التقدير لموهبتها ولم تلمس احترام مشاعرها الرقيقة
ماكان بالظرف يساوي قيمة ماتكسبه من مخبزهم الصغير ومع ذلك فضلت العودة للوقوف بفخر بجانب والدها لتسعده وتكبر بوجوده.

الأمر ليس طمع بالكثير .. بل طلب التقدير .. فلاعب كرة القدم يحترف بمقابل مادي .. والإعلامي يقدم برامجه بمبلغ يزيد رصيده ولاينقصه .. وسلمى كذلك طلبت أبسط حقوقها بأن تنال ماتستحقه وحين وجدت أن موهبتها لاتدر عليها ماتمنت تخلّت عنها وفضلت البقاء حيث كانت .. ومن حيث جاءت ولاندم.

فاصلة،
التقدير والإحترام هي مايُعطي للمرء قيمته .. وهي أشياء إن طُلبت فقدت قيمتها وسقطت.
في الصداقات والحب والعمل .. كل علاقاتنا في هذه الحياة تقوم على التقدير والإحترام وهو ميزان البشر.

لذلك سلمى فضلّت الرحيل بصمت .. قد تحزن ولكن كل منّا يختار موضعه ومكانه فإن رضيت البقاء بلاتقدير فلا تُحاسب الناس إن قللوا من قيمتك.
قد تكون حياة سلمى بسيطة ولا فرص عظيمة تنتظرها ولاوجود لبدائل لكنها احترفت فن تقدير الذات فعاشت استثنائية بعاديّتها وفضلت أن تكون ملكة بمخبز والدها الصغير على البقاء في هامش من لايستحق ولايهتم.
ربما وجدت في بياض الطحين مايشبه قلبها الأبيض وهذا يكفي ..
والسؤال الذي يحتاج لإجابة:
كم سلمى بيننا اليوم ؟

إضاءة
"المكان الذي لايُقدرّك لايستحقك .. فغادر فورًا دون عتب"

آخر السطر:
كلٍ بعيش يافهيد ولاهي بواقفةٍ على أحد .. روّقها بس

دويع العجمي
@dhalajmy

الأحد، 10 مايو 2015

حديث المسافة والانتظار



البداية:
"ومالحياة إلا عقيدةٌ وجهاد"

متن:
بهدوء وبقرب النافذة؛ جلست .. القطار شبه خالٍ باستثناء العاشقين اللذين جلسا أمامي 
هي أسندت رأسها على كتفه وهو انشغل بجريدته وانطلقنا ثلاثتنا بصمت .. 

المسافة طويلة .. تختصر معها فصول من حياتي
والمناسبة عظيمة لكتابة شيء من الخاطر

ومن نافذة القطار أتأمل الليل وأحدق بالسماء وأعيد السؤال:
مالذي تغير؟
الأحلام التي لاتكتمل .. تؤرقك
والضربات التي لاتقتلك .. تؤلمك
حتى الأشياء التي أحبها وكنت ألهث من أجل امتلاكها مللتها بعد حين
وتلك الوجوه المزعجة والمفروضة علي بحكم القدر .. سايرتها ونالت مساحة في هامش أيامي رغم أني .. لا أحبها

هي ليست مشاعر يأس .. ربما نضج وإدراك
وربما هو تعب السباحة عكس التيار فقوى الطبيعة لاسلطان لنا عليها
والسطور الجامدة بقائمة تعاملي مع الآخرين تبدلت .. باتت أكثر مرونة .. أطوّعها حسب الحدث والمناسبة خصوصا بملتقيات النفاق الجماعي .. عفوًا أقصد التواصل الاجتماعي
مشاعري سكنت وتبلدت ولم تعد موضع استفزاز .. وردود أفعالي تروضت، غلّفها الهدوء والتغافل والنتيجة نوم سريع بلا أرق

بالأمس كانت ردود أفعالي تُبنى على الفعل الذي يصدر من الحاقد الذي يختبئ خلف قناع "الناقد" .. 
اليوم ابتسم .. عندما أراه يشير بإبهامه للأسفل .. مسكين لايعلم أن هناك الكثير من "الإبهامات" التي تدفعني للأعلى .. لهذا أنا لا اهتز

والناس .. لم أعد أدقق على طريقتهم بالتعبير عن ذاتهم فبالنهاية لكل منا أسلوبه بالحياة والتعامل معها 
مهما فعلوا فهذا شأنهم .. فلدي ما أنشغل به وهو أهم بكثير من الحديث بما قالوا وارتدوا وبقية التفاصيل التافهة ..

أعترف أني أمر بمرحلة تغيير توقعتها لكنها جاءت باكرًا بغير موعدها .. لازلت بحاجة لذاك الصعلوك الذي يقفز بين حواجز أخطائه ليعتذر عنها بعد أن يبكي بصمت 
ولازلت بحاجة لأنفة الغرور المخلوطة بالثقة والتي ترمم كل صدع أحدثه حسد "من كان صديقًا يومًا" أو ظننته هكذا؟

لكن نحن نمر بمنعطفات تغير نظرتنا للأمور،
ونعي أن القسمة على صفر تحدث نتائج مختلفة عكس الرياضيات
وليس بالضرورة أن يكون اللون الأبيض هو حصيلة مزج ألوان الطيف فقد يصدمك الواقع باللون الأسود لذا كن جاهزًا للصدمات،

القلوب التي تُخلص إليها قد لاتبادلك ذات العطاء
والحبيب الذي فرّغت به عاطفتك قد يجد البديل ويضعك على الهامش
والصديق الذي أنصفته قد يرحل
ولو أغمضت عينيك الآن ستراهم يمرون بشريط ذكرياتك
ولابأس .. فمع كل هذا نحن نتغير وتتغير مشاعرنا وغالبًا نصبح أفضل

أشياء كثيرة تمنيناها ولم نبلغها
وأحلام كثيرة بعثرناها فلم نجدها
مع الوقت سنعرف ماذا نريد وكيف نصل بأقل الأحلام وتحديد الأهداف وبهدوء بلاضجيج أو صخب. 
وكل هذا لايهم .. رغم أني أكره حديث الانتظار 
لكن هو الوقت الوحيد الذي ينفرد به إحساسي بالكتابة

قد لايتكرر هذا النص .. ولست نادم على مامضى
فلولا أخطاء الماضي لما تعلمنا اليوم وفهمنا
وسنُخطئ .. ونكرر الخطأ .. ونتعلم .. ونعتذر
ليس غباءً .. لكننا بشر .. وهذا انسجامًا مع فطرتنا الناقصة فالكمال ليس من صفاتنا
ومع الليل والغربة وصوت القطار .. ضاعت خواطرنا وأمانينا .. وعسى القادم أجمل وأحلى .. فكل متوقعٍ آت.

إضاءة:
تبقى الحياة مدرسة اللانهاية

آخر السطر:
ومن لاعرف قيمة نفسه يافهيد .. ماقدروه الناس

دويع العجمي
@dhalajmy

الثلاثاء، 5 مايو 2015

حديث الانتظار



البداية:
"وما أنا إلا بشر مثلكم"

متن:
الثامنة مساءً بتوقيت مدينتي الباردة ..
الهدوء يلف المكان وفي محطة القطار تاهت النظرات..
أتامل الوجوه ودقائق الانتظار
وبعد نفس عميق، أسند رأسي على الجدار .. وأتساءل:
مالذي تغير؟
تواضعت أحلامي كثيرًا وهبطت إلى الأرض
ماعادت تُحلّق بي للسماء
وتلك الصور لـ لحظات الانتصار تمزقت
والخيالات التي تطير بي لعالم التميز والهتافات انتهت ..
ومقدسات الكبرياء والغرور في شخصيتي العنيدة تحطمت
ماعادت تهمني ولا أقف عندها !؟
تنازلت عن أشياء كثيرة كنت أقاتل من أجلها ..
حتى اهتماماتي تغيرت .. وشغفي بتلك الأشياء نضب
وماكنت أراه مثير ومدهش، أبصره اليوم ممل وتافه .. فمالذي يهم؟؟
 نفسي سكنت وشخصيتي هدأت وذاك المشاكس ذبل،

هل حطمتني الغربة وكسرت أحلامي أم أني نضجت وعانقت الواقع وعايشته؟
 ربما أرهقتني الأحلام
حاولت جاهدًا تغيير كل السيّء في حياتي
فإذا بي أخضع لفكرة وجوده
صافحت الكفوف الباردة
والوجوه الباهتة
وتقبلت الواقع ومن فيه
ليس نفاقًا .. بل نتعايش لنعيش
وأهدافي الكثيرة المبعثرة .. تقلصت
أصبحت قليلة وواضحة

وماكنت أخاله ثابت أصبح متغير فلاشيء يدوم على حاله،
الأشخاص الرائعون لايدومون
إما يرحلون أو تنخلهم الأيام فنراهم بقبح
أو نعتاد وجودهم فيصبحون من مذهلين إلى عاديين
عمومًا .. تلك أيضًا أشياء لاتهم

حتى حروفي تغيرت .. وقاموس تفسيري للبشر تغير
تفاصيلهم هي شأنهم، وذراعي المفتوحة للجميع ضممتها لصدري وتحفّظت
ماعدت المبادر الذي يجيد التعبير عن نفسه
بل أعطيت الصمت مجاله للتعبير
فحواه لمن أمامي تحدث ومن ثم لي الحكم إما صديق باقي
أو زميل عابر فمن تراه شامخًا أمامك خذله حسن ظنه بالناس فنال أكثر مما لايستحق

الشيء الوحيد الذي لم يتغير ابتسامتي التي أصافح معها الصباح
فلازال لدي يقين بأن كل يوم أجمل
ولا يبكيني الحنين للماضي فالحاضر أحلى وأروع
ومهما نضجت وكبرت يبقى الشوق لرؤية والدي أكبر مسافات الغياب .. ولكن الجنة موعدنا برحمةٍ من رب غفور .. إلى جنة الخلد
بالإذن .. حان موعد صعود القطار .. وللحديث بقية.

إضاءة:
غالبًا .. التبرير لغة الضعفاء

آخر السطر:
من لايحشم حضورك يافهيد .. لاتعّظم وجوده.

دويع العجمي
@dhalajmy