الأحد، 18 ديسمبر 2016

إلى صاحب البلاط الرخامي


البداية

لم يخلق الدمع لامرئ عبثا 

الله أدرى بلوعة الحزن


متن

كنّا مدعوين للمؤتمر

حين اعتلى ابن الطبقة المخملية المنبر

وبدأ الحديث عن معاناته

وكيف تحدى الظروف 

وأيامه القاحلة وحرمانه

وإرادته الصلبة

التي يداوي بها آلامه،


والجميع يبتسم 

لم يكترث لعاطفته أحد !

يعلمون تأكيدًا أن واقعه عكس مايقول

وهو يعلم يقينًا أنه يُحدّث قومًا .. لايُصدّقون

 وبتواضع مصطنع وابتسامة صفراء استلم درعه وتكريمه وهبط للأرض


أُحدّق بالمشهد وأتساءل:

أي حرمان هذا الذي عاشه 

ووالده يملك نصف ثروات البلد

وأي معاناة تلك التي تقف أمام اسم أسرته ومناصبها؟

ويا لسخرية القدر


ياصاحب البلاط الرخامي

يامن تفترش الحرير

أيها العظيم العصامي

تعال لنُصيغ الحوار ونُرتب المشاهد ونكتب الورق


هل حزنت مثلي؟

كلما جاءت مواعيد المطر!

وجدد الشتاء أوجاعك

لحنين الذكريات وبقايا الصور

على يُتمٍ مبكر .. وحرمان مؤلم .. لوالدٍ رحل؟

تكابر باللامبالاة

وسرعان ما يُبكيك الوتر ؟


حينما تُرهقك الأسئلة

لماذا عجّل بالنهاية

أما كان يتمهل .. أما كان ينتظر؟

ثم تسغفر الأحزان وكفرها

وتقسم أن لاتنكسر


هل تساءلت مثلي؟

عندما تقتلك "اللماذات"

لماذا أكبر بثباتٍ ممل .. كالشجر؟

لماذا أرضي قاحلة لاتحتضن البذر ولا الثمر؟

لماذا الحظ لايطرق أبوابي ولا الصدف؟

ولماذا لا أتناسب مع طبيعة الأشياء وعقارب الزمن؟

ولماذا أنمو بتكرارٍ متعاقب .. لاشيء يتغير رغم أني منتظم ؟

ولماذا أضيع العمر برجاء عودة الراحلين؟ 

ثم أين من يملأ فراغهم؟

 لماذا تأخر القادمين؟


هل تألمت مثلي؟

عندما يُرهقك الضجر؟

وتمتلئ حياتك بالحاقدين

والأقارب الحاسدين

والأصدقاء المتلونين

حينما تصبح الوحدة قرار

والعزلة اختيار

وينسج عنكبوت الغياب بيته في زوايا الدار

ويبسط الغبار مملكته على الدفاتر والرفوف والأقلام

وتبقى شامخًا .. 

فأنا كلما قست أقداري .. ابتسم


وهل صاحبت الخذلان مثلي

عندما تتواضع الأمنيات

وتنتهي دروبك عند الخطوة الأولى

وتقف عاجزًا مابعد البداية .. وقبل النهايات

بلاجدوى .. ولابدائل .. ولاخيارات

وكلما هممت بالمسير

ضعت في ظلام المتاهات

وتهمس بأذن الحياة متماسكًا:

أنا لازلت هنا .. أنا لا أقبل الانهزامات


وهل عرفت الجوع مثلي؟

عندما يسرقون منك الرغيف

ويتخاطفون من كفك عناقيد العنب

وتبكي كأسك الفارغ

وحرمانك المسكوب

وأنصاف أحلامك .. التي لاتكتمل

وسقف غرفتك الذي تصدع

من طول النظر

مستلقي على ظهر الشوك

مضيئًا قناديل الأمل

عندما تُبكيك الأماني .. ويُواسيك النغم


ياصاحبي .. يامن تسكن القصور

في حياتك أشياء كثيرة تفعلها

تقتني اللوحات .. تتسلق الجبال .. تسقي الزهور


أرجوك 

أعد لنا آلامنا

ولاتسرق معاناتنا

اتركنا نبكي بسلام

فنحن قومٌ كرام


أما قبل:

وخلقانكم درجات


أما بعد:

وكل شيءٍ بقدر


إضاءة:

لا تستمر الأحزان إلى الأبد، عند السير في الاتجاه الذي نحدده دائمًا.


آخر السطر:

وخذ الحكي يافهيد .. معك دينار .. تسوى دينار


دويع العجمي

@dhalajmy

الأحد، 4 ديسمبر 2016

حديث المساء


البداية

فاخفض جناحك للأنام تفز بهم

إن التواضع شيمة الحكماء


متن:

يرعبني الشعور بالتناقض .. بين ما أكتب وما أُقرر

وكثيرًا ما أحاول ردم الفجوة بين المبادئ وما يفرضه واقع الحال،

أقول أشياء .. وأفعل عكسها

ثم أحاول إعادة الفهم

أُقرّب المسافة حتى لا أبدو ساذجًا


حتى علمتني الحياة درسها المتأخر:

أن بعض القناعات نفعل عكسها حتى نتأكد من أننا بشر

نكره النفاق لكننا نضطر لذلك

لانحب الكذب ولابأس بقليله

ننتقد الفعل ونأتي بمثله

فيارب سامحنا إن نسينا أو أخطأنا


وعلى سبيل التكرار 

مؤمن بقول العرب "أنت حيث تضع نفسك"

ومقتنع بأن "عظمة الأشياء تبدأ من ذاتها"

لكن ليس للحد الذي تضع نفسك بمكانٍ لاحقيقة له !


كنّا مدعوين لدى صديقي القديم،

شاهدته .. وهو الشاعر المشهور حسب معطيات العالم الافتراضي

كان مدعوًا هو الآخر

ما إن جلسنا حتى بدأ الحديث

حول شهرته .. والتقاط الناس الصور له

الدعوات التي تصله من كل مكان

إعجاب الصبايا وازدحام التعليقات في حساباته ؟

غيرة أبناء الكار وحسدهم

وحرص الشخصيات المهمة على التقرب منه !

وسرد متواصل لبطولاته ونجوميته


ما إن ينتهي الحديث حتى يبدأ آخر

وكلها تدور في حلقة شهرته المغلقة

تلك التي لاوجود لها إلا في رأسه


طال الكلام حتى ملّه الجلساء 

وبدأ كل منهم بالهروب من جحيمه التعيس والحديث مع من يُجانبه موضعًا


وأنا أُحدق بالمشهد بصمت

أتأمل الحدث وادعو الله سبحانه أن لا أكون ثقيل الحضور كئيب الحديث .. 

أو بمعنى أدق .. أن لا أكون بهذا السوء


آمنت حينها أن حديثو النعمة

ليسوا فقط بالمال والثراء

حتى الشهرة والثقافة والموهبة والنجاح

دائمًا حديثو العهد بالأشياء يسعون لاهثين لفرض حقيقة وجودهم على المجتمع

يخوضون حربًا وجودية لكسب اعتبارهم

فالشبع بعد جوع يُمرّد النفس

فتبدو كوحش ينقض على كل فرصة تعظيم

لايُبصر إلا ذاته

ولا يسمع إلا الإطراء 

أما النقد فهو لايصدر إلا من أعداء النجاح في كل الأحوال،


حمقى وناقصو ثقة 

يتصرفون كالأغبياء ويدمرون روعة مايملكون بحماقاتهم،

لايُدركون أن الروائع تتحدث عن نفسها


أما أنا فممتن كثيرًا للعقاد

وروائع ابن حنبل

وزادي من القراءة التي هذّبت نفسي

جعلتني أُجيد اللعب بمسرح الحياة

قرأت الأحداث قبل أوانها

وعندما أتت .. وجدتني هادئًا أشبه كتاباتي

لم أنساق خلف شهرة زائفة

ولم ألهث خلف تصفيق الجماهير

وعندما كان يحدث ذلك .. وغالبًا ما يحدث

أنكسر لله شكرًا وامتنانًا

فأنا من جاء من بيئةٍ قاحلة

لاماء فيها ولا زرع

أتذكرني وأنا ابن العاشرة

ذاك الذي تمر الأعياد ولايرتدي الجديد

يُتمي المبكر قتل أشياء كثيرة تسعدني

ولكن لم أهتم

عوضتها بأشياء أجمل،


يكسرني الخجل عندما أتظاهر بأني أهم مما أنا عليه،

ماذا عساي أن أقول لأيامي التي مضت !

وأنا الذي عاهدتها بأن أكون ممتنًا لكل ليالي الحرمان

وانعكاسات المرايا .. وأحاديث المساء

عندما كانت أقصى طموحاتي أن أركب طائرة

وأحلق بالسماء !


مضى العمر ومرّت السنين 

وعندما تقدمت وأخذت بالحياة مكانًا يناسبني

كنت ولا زلت أحن للماضي البسيط

لهذا لم أغتر يومًا 

في الحقيقة لا أجد سببًا يدعوني لذلك


وكلما تضخمت نفسي لبيت نداء الصغير الذي بداخلي

ذاك الذي لايزال ينتظر على رصيف الأمل

علّه يسعد بلعبةٍ يمتلكها .. 


أنظر بعجب لهذه المخلوقات المتضخمة

ياترى .. هل يعتقدون أننا أقل منهم !

أليس فيهم عاقل يقرأ الوجوه ويفهم الإشارة ؟

وهل نحن مضطرين لتحمل تفاهاتهم!

والأهم .. كيف نُقنعهم أن تلك التفاصيل بحياتهم لاتهمنا بأي حال ؟


ولصديقي حديث العهد بالشهرة:

أرجوك

حاول أن تفصل بين عالمك الواقعي والافتراضي

ثم عليك القناعة أن كثير ممن يتابعك قد يفعل ذلك لمجرد المتابعة !

أنت لاتشكل له أهمية كبرى ولست الجاذبية التي يدور هذا الكون في فلكه

وأنه من الحماقة أن تتحدث عن نفسك دون أن يُطلب منك،

الفارغون وحدهم من يفعل ذلك


وأخشى عليك ياصديقي .. 

أن تصل للنهاية وتكتشف أن عَظَمتك لاوجود لها إلا في مخيلتك فقط


فطوبى لمن لامست قدميه الأرض 

ومشى في مناكبها مشابهًا لبني جنسه

لا فرعونًا بجبروته

ولا سليمان بمُلكه

فزمن الأساطير ولى وانتهى


يارب إن كانت لي نهاية

لا أُريد أن أنتهي كالسراب

بلاقيمة ولا أثر

أعيش الحياة بأُكذوبة ساذجة

لا يصدقها سواي

ثم أُفيق على صخب الحقيقة

أنهم لايروني كما "أراني"

وحينها يضيع الكلام 

وسط ضجيج المدينة


فاصلة،

الحمدلله على عثراتٍ كشفت لنا وجه الأصدقاء وملامح الأعداء لنعيش الحياة بذكاءٍ أكبر.


والحمدلله على خذلانٍ بيّن حقيقتنا في قلب من نُرخص الدنيا لأجله.


والحمدلله على عينٍ تُبصر وقلبٍ ينبض وجسدٍ معافى.


إضاءة:

وحدها الأواني الفارغة تُحدث الضجيج


آخر السطر:

وياثقل دم بعض العرب يافهيد


دويع العجمي

@dhalajmy