السبت، 26 ديسمبر 2015

طال السكوت



طال السكوت

البداية
"ومن طال سكوته .. يجرحه السؤال"

متن:
انتهى ديسمبر .. وانتهى معه الفصل الدراسي
وحتى العام .. لَمْلَمْ بقاياه واستعد للرحيل
الثلوج تغطي المكان
وأشجار العيد زينت حيّنا "بأمريكا" 
مرحبة بالعام الجديد

الجميع يحزم أمعته ليعود لوطنه .. أسرته .. وبيته
فالإجازة طويلة والأجواء باردة
ولاشيء يدعو للبقاء

جميعهم عادوا .. إلا هو
جلس على نافذته يتأمل المشهد
يحدق بالحقائب وتذاكر السفر
ويرى الحنين بعيون العائدين لأوطانهم
هو صديقنا من ليبيا 
هادئ جدًا وقليل الكلام .. يجيد الرسم بالفحم
وكل لوحاته بالأبيض والأسود .. ورغم كئابة الألوان إلا أنه مبدع

في كل مرة أرغب بسؤاله لماذا لايستخدم الألوان الزاهية بلوحاته .. يضيع السؤال ويتوه بين أروقة الحكايا
عمومًا هذا لايهم..

ولكوني آخر المغادرين سألته:
متى العودة لـليبيا؟
فطال السكوت .. 

كررت السؤال ثانيةً
فجاء الرد بهدوء: ولِمَ العودة ؟
لاشيء بقا لي هناك
لا أسرة ولا بيت 
فالحرب لم تبخل علينا بجشعها وخطفت أسرتي 
والبيت أكرمته القذائف فساوته بالأرض
عدت من المخبز في ذاك الصباح لأرى صيحات الناس وهم يتراكضون
الكل يتعاون لانتشال أجساد أسرتي من تحت الأنقاض
المنظر أكبر من التحمل
سقطت .. ماعادت قدماي تقوى الوقوف
خسارة .. كنت قد أحضرت لأختي الصغيرة "الفطيرة" التي تحب
لكن الحرب تركتني أعيش لألعن الحياة 
حتى استغفرت ربي

أما الأقارب فكلٌ مشغول بحياته ورزقه .. 
لاوقت لديهم ليفكروا بمن هاجر قبل سنوات فانقطعت كل سبل التواصل رغم تطورها وسهولتها لكننا .. غبنا
ولأني لا أحب أن أكون زائدًا عن الحاجة .. 
رحلت
وانتهى الكلام 

لم ينتظر مني تعقيبًا ولا مواساة ..
 بل ساعدني وقام ليعد قهوته 
فبمثل هذه المواقف لاتضمد الكلمات ذاك الجرح الذي نكشته بحماقتي

آهٍ على هذا الوجع .. 
وآهٍ على ألم الفقد
الآن عرفت لماذا هذا الهدوء الذي يغلف حياته
والآن فهمت لماذا يحب الرسم بالفحم
لاحاجة لأسأل 
فحياته تفتقد لكل الألوان
لا أم تضمه بحنانها ولا أب يسند رأسه على كتفه عندما تكسره الأيام
ولا أخ يشد من أزره كلما أرهقته الحياة
حتى الوطن
فقد قيمته وماعاد له أهمية .. وكما قال:
لِمَ العودة؟

نحن نعود لنرتمي بأحضان أسرتنا وأحبابنا .. نضمهم بحنين يطفيء لهيب الغياب

نعود لنسامر ليالي الأنس برفقة الأصدقاء
نضيء المساء بضحكاتنا
أهازيجنا وأغانينا 
ليمضي الوقت مسرعًا دون أن نشعر
فالأوقات الجميلة تمر بلمح البصر

نعود لنحكي قصصنا وتجاربنا
عن هذا البلد الجديد الذي عشنا فيه

نعود لنرى كم غيرتنا الغربة وجعلتنا نكبر سنوات قبل موعدنا
نفقد شغفنا بكثير من الأشياء التي كانت تسعدنا
ونعوضها بأشياء أخرى أكثر نضجًا وإدراك

نعود لنقيس بمسطرة الأيام حجم المسافة بيننا وبين من كنّاه بالأمس
لنرى حجم التقدم الذي أحرزناه بحياتنا

ويبقى المهم .. 
أن نعود لنشعر بدفء الوطن
يأخذنا الشوق لنمر مسرعين على مدارسنا
نستعيد ذكرياتنا .. وصور أساتذتنا وسذاجة المراهقة
نشيد الصباح .. صوت المآذن.. زيارات الجيران
كل شيء يجعلنا نشعر بقيمتنا .. 
لهذا الوطن غالي

عذرًا صديقي "إياد" 
ليس لدي شيء أقوله لك
سوى أننا نعيش الحياة بقسمةٍ وقضاء
لك شيء في هذه الدنيا سيعوضك عن كل مافقدته
كن على يقين بذلك .. 
فدائمًا العوض خير
تلك إرادة الخالق ..
 وإني آسف على مصابك
ولكنها الحرب .. 
تبدأ بصرخة لتنتهي بويلات

ومنك تعلمت أن أستغل كل ثانية بقرب الأحباب
أعبر لهم بجنون عن مكانتهم بالقلب والروح
أخشع بالدعاء .. 
وأُقبل موضع السجود
شكرًا لله وامتنانًا على كل شيء
نحن نحزن على تفاهات كثيرة لانلمكها
سيارة فارهة..
 وساعة مرصعة بأشياء برّاقة تغذي غرورنا الغبي

ولا أعلم كم صفعة نحتاج لنشعر بقيمة النعم التي لاتُقدر بثمن
وإنّا على حالنا لمحزونون

يارب..
أدم علينا نعمة الأمن والأمان 
ووجود أحبابنا بصحة وعافية
واحفظ لنا هذا "الوطن"

إضاءة:
"الصمت لغة يتحدثها من بلغ أقصى درجات الخذلان"

آخر السطر:
ولاشفت الرجل ساكت يافهيد .. لاتعيد السؤال وتنشب في حلقه .. كب منك اللقافه 

دويع العجمي
@dhalajmy

السبت، 19 ديسمبر 2015

شجرة العيد والأمنيات



البداية:
"وفي رحيل العام وأمنياته .. أكتب"

متن:
 .. وهذا عام جديد يقف على الأبواب
وكالعادة بين النهاية والبداية
أقف لأراجع مامضى .. أُقلّب الصفحات وأتأمل السطور
لأختمها بالهامش المؤلم "لاجديد" 

لاحاجة لوضع أهداف جديدة
ولاحاجة لمحاولة التخلص من عادات لا أحبها
ولاحاجة لكتابة أمنيات كثيرة
فكل شيء هو ذاته أكتبه كل عام ولا أبلغه
فرغبات الماضي هي الحاضر ولأنها كالسراب تركتها للمستقبل

ولأن الأحلام لاتقبل الإنتصاف .. تركتها كاملة
أسعدت نفسي بها وطرت لعالم آخر
وضخّمتها حتى تجاوزت الواقع
فهوى سقفها وصوت ارتطامها هز أغصاني لأدرك أن الزمن يتقدم والساكنون لامكان لهم بالحياة
فقطار المجهدين لم يمر على محطاتي .. 
ولازلت على كرسي الإنتظار أترقب بصمت.

بيت وزينة
كل المنازل بحيّنا بالغربة تزينت بالورود وأشجار العيد
ينتظرون "بابا نويل" ليتسلل من المدخنة ويحقق أمنياتهم
ويترك هداياهم في زاوية الغرفة ويرحل

هم يعلمون أنه لن يأتي
ومع كل عام يمارسون الشيء ذاته
يُسعدون أنفسهم بأشياء من الخيال
ويفرحون بها

كل ما سأفعله أني
لن أكرر كتابة الماضي .. فتكرار الأماني كالرسم على الماء لاجدوى منها

فقط من باب التغيير .. زيّنت بيتي بالأضواء وعلقت شجرة العيد
ليس اتفاقًا مع طقوسهم
بل مجاملة لأمنياتي الكثيرة المركونة على الرف
تنتظر الحظ .. والفرصة
وربما تنتظر الواقع ليُجهض بعضها
والبعض الآخر يتنفس ببطء

وعلى شجرة العيد سأعلق ثلاث أمنيات
لا أريدها أن تتحقق .. فقط أريدها أن تعيش
 
أولها أن يتروّض جشع رغباتي بالقناعة
فباب الأحزان بطلب المزيد

وأوسطها عدم العيش بين ركام الماضي
فمن حق الحاضر أن أسعد فيه وأعيشه
فالراحلون برغبتهم لالوم عليهم ولاحزن
والتجارب الفاشلة لولاها لما كنّا الآن
وحرمان الأمس يعلمنا كيف نحفظ مابين أيدينا اليوم
بالنهاية .. لاشيء يستحق الحزن 

وآخرها التروي بطول الأمل وترقب المستقبل،
ضياع الحاضر بالتفكير بالقادم
واستحضار هموم قبل أوانها
علي أن اطمئن .. فموعدها سيأتي وسأعيشها 
فنحن خلقنا في كبد

لكن ضحكات اليوم ألا تستحق الإنصاف؟
ألا يستحق هذا الوقت الممتع أن أحياه؟
صحيح أننا لانحصل كل شيء
ولاينبغي لنا ذلك
والحقيقة التي لانريد إدراكها
أن غالب أمانينا .. لاندركها
عسى الله أن يعوضنا بما هو أجمل

فيارب ارزقني الخير في أمري ..
 وأسعدني بالأشياء التي أحب
واحفظ لي أهلي وأصدقائي
وكل القلوب التي صافحتنا بود

ولأن الإنتظار لايُطاق
وكثير الأماني لايُسعفها الحظ
وبعضها تبخر مع الواقع
اللهم اكتب لنا سعادة تملأ قلوبنا وتسرها يارب العالمين.

إضاءة:
ومن جالس السعداء صار منهم

آخر السطر:
ومهوب كل ماعرف يافهيد قيل وياخبل الذي خافيه مكشوف

دويع العجمي
@dhalajmy

الجمعة، 11 ديسمبر 2015

لهذا أكتب



البداية:
"الكتابة .. صديق مُنصت يتحدث بصمت"

متن:
لولاها .. لكنت الآن بمصحة نفسية
أُعالج مرض جلد الذات .. والتحسر على مافات
أعد الجدران .. أحدق بالسقف واتأمل المرايا
فالوحدة إن لم تشغلها بالمفيد .. شغلتك في نفسك .. لهذا أكتب

أكتب لأملأ فراغات الوقت وأجعلها مزدحمة بتفاصيل قد تبدو للآخرين غير مهمة لكني أحبها

أكتب لاُعيد ترميم الحاضر .. الذي بنيته على أنقاض الماضي وتجاربه الفاشلة أحيانًا ..
أتمرد على خجلي .. وأقف من جديد كهمزة القطع بأول الجملة 
شامخة ولاتخضع للتشكيل

أكتب .. رغم تشابه الأبجدية شكلًا
لكني أحب عزفها بسُلمي الموسيقي المختلف
أصعد سلالمه بإحساسي المتواضع
فما يُعزف من القلب يصل للقلب .. 
لهذا أعزف الأبجدية كتابةً 
وقليل النشار لايضر ..فاعذروني

أكتب .. لأشطب الأخطاء بسرعة وأتجاوزها بعدة كلمات 
ثم أعود لأُحدق بالخطأ وأترك كل ماحوله ..
أمزق الورقة وابدأ من جديد .. 
حتى باتت لدي مرونة بتقبل الأوراق ذات الكلمات المشطوبة

فقد علمتني الكتابة 
أن أجمل الصفحات من تعترف
بأخطائها بلاخجل
ولأن بالكتابة حياة .. أكتب

هناك من يكتب ليُكمل السطور
وأنا اصنع السطور لأكتب
أتوج نفسي ملكًا على عرش أقلامي وأوراقي المبعثرة .. 
والتي تسرقني لزمن مختلف
أنشغل بنفسي .. أصالحها تارة .. وأقسو عليها تارة أخرى

ومع الكتابة .. 
لا أذكر أنه شغلني نجاح أحدهم
 لامنصبه ولا ثراؤه
ولا حتى أخطاؤه وزلاته
بل تبلد إحساسي للحد الذي ماعاد يُحزنني عندما أُذكر بسوء 
لدي أشياء كثيرة أفعلها .. تشغلني عن التفكير 
بالآخرين .. لهذا أكتب

ومع الكتابة ..
تعودت أن أملأ مسافات الوحدة بكل الضمائر .. 
المستترة والغائبة..
فمن استتر بخبث النوايا هجرته
ومن غاب بقراره ورغبته تركته

أقتل الفراغ بسكين الإنشغال .. 
حتى لا أعيش أسير ذكرياتهم..
بحلوها ومرّها
ولا أفكر بماذا قيل ويُقال ..
ولا "لو" حتى لاتفتح أبواب الشيطان
أعلم يقينًا أن هناك من يؤلمه حاضري .. 
فراح ينبش بأوراق الماضي..
وعندما لم يجد شيئًا ..
صب حبر سيئاته على بيض صفحاتي .. 
ومع هذا لا أكترث
ففي حياتي أوقات عظيمة أعيشها .. 
أرتب الكلمات وأُعيد صياغة الجمل وأتنفس بعمق ..
وعذرًا للحاقدين الذين يكرهوني بوضوح ..
لأني لست سيئًا للحد الذي تبررون به حقدكم

ولأني أكتب .. فأنا أتنفس الحياة بشكل مختلف
أحاول ضبط إيقاع مزاجيتي التي لاتستقر
وللأسف .. لم أنجح بعد.

إضاءة:
"لك أبجديتك التي لاتشبه أحدًا .. فاكتب"

آخر السطر:
وإن ماشغلت نفسك يافهيد باللي يفيد .. أشغلوك الناس بما تكره

دويع العجمي
@dhalajmy

الأحد، 6 ديسمبر 2015

اطمئن




البداية
:
"هذا النص للواقفين أمثالي بمحطات الانتظار"

متن:
الحمدلله ..
على كل الأمنيات التي لاندركها .. والتي غالبًا ماتتبخر كالسراب بمجرد محاولة اللحاق بها..

والحمدلله ..
على عكّاز الصبر الذي تتكئ عليه أفراحًا كثيرة مبتورة الساق ..
تعيش على أمل "ربما" و"عسى" وتتجاوز المستحيل
حتى لو كان الواقع .. مختلف

والحمدلله ..
على وسادة صابرة ..
تحتضن أحلام المساء المبعثرة بعشوائية ولاتخضع لقانون الترتيب
تمتد دقائق وساعات .. تفكر وتحلم وتتمنى 
وتدور في حلقتك المغلقة التي ليس لها نهاية.
 
مامضى لن يعود .. والحاضر ليس على ماتريد .. والمستقبل مجهول .. 
ومع ذلك .. اطمئن
فكلٌ في لوحٍ محفوظ

يحدث:
أن ترى أحدهم يتقدم بخطى ثابة للأمام .. 
وبين الخطوة ومثيلاتها قفزات تجعله يقطع مسافة تتجاوز منطق الأشياء
تتحسر على ذاتك وجهودك وربما شهاداتك
تبدأ بتعداد نقاط الأفضلية
 لتزيد جرعة الألم في نفسك ثم تسأل:
لماذا لا أنال نصف ماحققه ذاك الذي وفق نظرية الواقع هو أقل مني بغالبية التفاصيل؟

غالبًا .. للحسد أبوابًا عديدة .. وماسبق أحدها
من نراه أقل منا ونعتقد بأننا أحق بالنعم التي أكرمه الله بها إن لم يكن حسدًا وحقدًا فماذا عساه أن يكون؟

لم يُقدر الرزق لك ولم يُؤخذ منك شيئًا ليُعطى .. 
فلماذا الانشغال بما في أيدي الآخرين؟

اطمئن .. 
لك قسمتك في هذه الحياة التي لاتُظلم فيها شيئا 
لأنها تدبير الخالق
ولو علم المرء منا كيف يدبر الله له شؤونه لذابت قلوبنا من محبة الله

وأبواب الرزق العديدة التي يُغلقها البشر في وجه طموحاتك يجب أن لاتُبكيك 
فما هم إلا أسباب مسخرون لك وعليك بقدرة الواحد الأحد
ولأن في اليقين حياة:
 "وفي السماء رزقكم وماتوعدون"
عش على هذا الظن وثق به فهو الرزاق الكريم

وكل الأبواب الموصدة مفاتيحها الصبر وصفاء النوايا والله يرزقكم على نياتكم قبل أعمالكم 

شاركهم فرحتهم وأسعد بها
حتى لو تقدموا وأنت بوضع السكون
هم لم يأخذوا مقعدك على متن رحلات الحظ
ولم يتجاوزوا دورك في طوابير الحياة
بالأمر سعة

علمتني تجارب الحياة أن لا أحد يستحق أن تقارن نفسك به فلكل منا ظروفه وحياته وأقداره فلاتُرهق نفسك وتثقلها بالهموم

المقارنة الحقيقية هي أن تقارن نفسك اليوم بمن كنته قبل سنوات لتعرف حجم المسافة التي قطعتها نحو التغيير للأفضل.

هناك شيئًا كُتب لك ..
ينتظرك .. 
فقط عش على أمل ويقين
مهما طالت مسافات الانتظار .. فاطمئن

فاصلة،
لا أذكر أنه شغلني نجاح أحدهم
ولا ثرائه .. ولامنصبه أو إنجازاته
بل تبلد إحساسي لدرجة أنه ماعاد يزعجني حديث أحدهم عني بسوء
ولا أذكر أني بررت خطأ أو كذبت شائعة
أنانيتي بالإنشغال بنفسي وذاتي جعلتني اختلق مساحات انعزل فيها .. لأكتب
وهذا ماجعلني غالبًا .. مطمئنًا

إضاءة:
"لك شيء في هذه الحياة .. فلاتحزن"

آخر السطر:
لاتنشغل يافهيد بفلان وفلان .. عمر الحسد ماجاب غاية

دويع العجمي
@dhalajmy