السبت، 19 سبتمبر 2015

مابقى إلا السكّير يتكلم

البداية:
"فابدأ بنفسك فانهها عن غيها، فإذا انتهيت فأنت حليم"

متن:
ولأني ممن يُبقي ماء البحر في فمه حتى لاينجرف في الغيبة .. أصمت
أتحمل ملوحته التي تُقطع أحبالي الصوتية .. فأكتب
ولأن في الكتابة حياة .. لازلت أتنفس.

عودة الفتى الضال:
لم يكن بيننا اهتمامات مشتركة .. فروتيني المنتظم لايتناسب مع عشوائيته وجدول أعمالي المعلق خلف الباب يتناقض مع فوضويته بالتعامل مع الحياة .. حتى قهوتي التي أفضلها مرة كل صباح يقارعها بكأسه الذي يُفقده عقله وذاته كل مساء .. 
نحن نختلف بكل شيء .. كل منا يعيش حياته وفق رغباته .. لكن تجمعنا الغربة التي أصبحت لنا بيتًا ووطن وأسوار الجامعة وفصولها وكراسيها.

يتحدثون عنه بسوء .. فذاك "الثمل" لايحب أحدًا مجالسته .. رغم احترامه للجميع والتزامه بحدود نفسه .. نعرف بعضنا بالسلام .. وتفاصيلنا بلغت كل منّا عبر الزملاء المشتركون والذين غالبًا يُفضلون أكل لحوم البشر والغريب أنهم لايُكرهون .. وليس هذا على مجتمعنا العاشق للفضائح بكثير.

لحظات عند الإشارة .. أحدق بالشوارع والسيارات والأرصفة .. وألمحه أمامي بسيارته الفارهة .. ينادي ذاك الطفل الضعيف الذي أرهقته الحياة مبكرًا .. يبيع المناديل ليكسب قوت أهله ويومه .. يأخذها منه مقابل مبلغ لم يكن ذاك الصغير يحلم به ليطير فرحًا وبصوته المتعب يدعو له بالتوفيق .. أضاءت الإشارة وانتهى المشهد .. لم يُصفق له أحد ..  "وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّه" .. لذلك هو لم يهتم.
 
ويا للعجب .. يقارع الكأس ويتصدق .. يعشق السهر ويُصلي .. فكيف تلتقي كل تلك المتناقضات ؟!

وبعد أيام رأيته حاملًا أوراقه فمعدله الدراسي لايشفع له بالبقاء .. فاحترم الواقع وانسحب وترك مقعده شاغرًا .. سلّم علي وودعني وتمنى لي الخير .. وغادر

وهاهي السنوات مرت على الحدث .. نسيت تقريبًا كل شيء .. لكن لاتزال بعض التفاصيل حاضرة وعصية على النسيان  .. لا أعرف بأي حالٍ هو الآن لكن ما أنا على يقين به أن فيه من الخير مالم يظهر بعد .. فهذا المبتلى يتحلى بإنسانيته التي تخلى عنها البعض رغم معاصيه .. 

في أحيان كثيرة ترى المرء يفعل الذنب ويُقر به ولكن الشيطان غلب نفسه رغم أنه ينازعه ولايجد المعين .. وقد يرتكب المعاصي ويبقى حب الخير فيه فطرة .. وقد يهوى الكبائر ويبقى حب الإيمان فيه نزعة ..
ونرى فيه مانكره لكن قد يغلب خيره شرّه ويبدل الله حاله إلى حال .. لهذا الستر من أعظم الفضائل .. فباب التوبة بيد الله وقد يعودون أفضل وأجمل ..

 نعم لسنا ملزومين بصداقتهم لكننا لسنا مجبورين على تعظيم أخطائهم فكل ابن آدم خطّاء .. وطوبى لمن أكرم الآخرين بالستر ودعى لهم بالهداية ولكن كيف يستطيع له سبيلا والنفس تتوق بالفرح بفضائحهم وزلاتهم. 

ولأن "لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ"
فراحة القلب بترك الخلق للخالق .. فـ "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" ولكن من يعي الدرس؟

إلى ذاك الذي غاب ولا أعرفه
تستحق الحياة .. تستحق أن تعيش بسعادة .. وأن تُحاط بأصدقاء حقيقيين يعرفون قيمتك .. لايزال هناك وقت ومتسع لنبدأ من أول السطر .. نطوي صفحة الماضي بكأسه ولياليه .. ونحيى الأمل من جديد .. ونصنع من أنفسنا أشخاصًا رائعين .. على الأقل في مخيلتنا ومرآة ذاتنا .. فالعاديون أمثالنا بالقليل يكتفون .. ولأنك رائع .. ستكون أجمل .. وهذا ما أتمناه لك.

إضاءة:
علمتني الحياة أن أعظم النجاحات هي تلك التي تولد من رحم بيئة عقيمة

آخر السطر:
وأعظم كرم يافهيد تعطيه للناس .. تكف لسانك وشرك.

دويع العجمي
@dhalajmy

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق